ইসলামের দার্শনিকদের ইতিহাস
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
জনগুলি
ومما يذكر للخليفة بالفضل أن مجلسه كان مؤلفا من أئمة المسلمين ورؤساء الأديان الأخرى بغير تمييز. وكانت بقرطبة مدرسة جامعة من أشهر جامعات الدنيا، مقرها بالمسجد الأعظم الذي سبق ذكره، حيث كان فطاحل العالم الإسلامي شرقا وغربا يلقون الدروس على الطلاب الواردين إلى حلقاتهم من كل فج، فكان أبو بكر بن معاوية القرشي يحدث وأبو علي القالي البغدادي يملي أماليه الشهيرة، وهي كنز شعر وتاريخ وأمثال وفقه لغة وأدب، وكان ابن القطيعة أشهر نحاة الأندلس يلقن الطلاب قواعد النحو والصرف. وهكذا كان لكل علم وفن أستاذ من الأئمة الممتازين فيه، لا يقلون قدرا عمن ذكرنا على سبيل التمثيل والتدليل.
وعد طلاب العلم بالجامع الأعظم بقرطبة بالألوف وأساتذتهم بالمئات، ومعظمهم يقصدون تحصيل الفقه وبعضهم يدرسون الحكمة؛ فالمسجد الأعظم كان منذ ألف سنة مثل الجامع الأزهر شهرة ومكانة، ويفضله في أمرين: الأول جماله الذي أبرزه أهل الفنون، والثاني تخريج الفلاسفة أمثال ابن رشد. والأزهر لم يخرج لنا منذ تأسيسه إلى الآن أحدا يداني هذا الحكيم أو يقرب منه في الفضل وسعة العلم وجليل المنفعة للدين والدنيا معا. (21) نكبة ابن رشد (21-1) كلمة عامة
كان ابن رشد ممتازا بالحكمة والعلم وشرف المنبت، وازداد مجدا بتقربه من الخليفة يوسف أبي يعقوب الذي عرف قدره وفضله على غيره من قرنائه وفضلاء عصره وعلى ولده المنصور يعقوب.
وكل رجل ممتاز لا يأمن حسد معاصريه ومعاشريه ولا ينجو من غيظهم وانتقامهم مهما كان نافعا، وطيب القلب حسن النية بعيدا عن الأذى، وربما كانت خصاله الطيبة سببا في اشتداد البغضاء ومرارة الحقد. وأظن هذه الحال في الشرق أظهر منها في الغرب، وقد تكون في المسلمين أقوى منها في غيرهم.
ويظهر أن أعداء ابن رشد حاولوا النكاية به المرة بعد المرة، ففشلوا في أول الأمر لأن الخليفة المنصور كان في بداية عهده محبا للفلسفة مجاهرا بذلك. فكمدت سوق السعايات ولكن الأعداء (لا كانوا) لا يسأمون من الانتظار ويرقبون أوقات المضرة، فلما تحولت نفس المنصور عن الحكمة والحكماء بسبب ما لحقه من التطور العقلي الذي حبب إليه التصوف والالتجاء إلى الأولياء والزهاد، كان ابن رشد قد علا نجمه في أفق المجد بما ظهر من فضله في التأليف في الفلسفة وسعة علمه ودقة عمله في الطب وعلو كعبه في الشريعة والقضاء، وتلك مواهب ثلاث لم تجتمع لرجل واحد في وقت من الأوقات.
وكان ابن رشد إذ ذاك في السبعين من عمره، فتحركت أحقاد أعدائه وقد رأوا الفرصة سانحة بانصراف المنصور إلى مشايخ الطرق الصوفية، فتسلح هؤلاء الأعداء وأنصارهم من حاشية الأمير (كعادتهم وعادة من مضى قبلهم ومن أتى وسيأتي بعدهم من أعداء حرية العقل الإنساني) بسلاح المدافعة عن شريعة الإسلام، وكان المنصور مقيما بمدينة قرطبة، وقد امتد بها أمد الإقامة وانبسط الناس لمجالس المذاكرة، فتجددت للأعداء آمالهم وقوي تألبهم واسترسالهم، فأدلوا بحفيظتهم وأوضحوا للأمير ما شاءوا من «سيئات» أبي الوليد ابن رشد في مؤلفاته، فقرئت في مجلس الأمير وتدوولت أغراضها ومعانيها وقواعدها، وتمكن الأعداء والحساد من تخريجها بما دلت عليه أسوأ مخرج، وقد ذيلوها بمكرهم وسوء طويتهم حتى هاجوا غضب الأمير وأيقظوا قوة الشر الكامنة في نفسه، بحجة المدافعة عن شريعة الإسلام، ويظهر أن وقيعتهم بابن رشد كانت علانية في مجلس الأمير، فإن أحد المؤرخين يقول: «فلم يمكن عند اجتماع الملأ إلا المدافعة عن شريعة الإسلام.»
ويظهر أيضا أن أعداء ابن رشد طلبوا إلى الخليفة إهراق دمه لتنجو شريعة الإسلام من شر ابن رشد، وتعلو بخير هؤلاء المدافعين عن كيانها الحائذين عن حياضها! ولكن الخليفة استعمل الرأفة «وآثر فضيلة الإبقاء وأغمد السيف التماس جميل الجزاء». (21-2) أعداء ابن رشد
ومن أعداء ابن رشد الذين جاهدوه بالمنافرة والمجاهرة القاضي أبو عامر يحيى ابن أبي الحسين بن ربيع، وقد نافره لغير علة ظاهرة. وعلى ذلك النفور كان أبناه القاضي أبو القاسم وأبو الحسين والقاضي أبو عبد الله والخطيب أبو علي ابن حجاج وغيرهم، فلما أخذ أعداء ابن رشد للحملة عليه عدتهم آثروا أن يحشروا معه فريقا من أصدقائه ومريديه وتلاميذه، لتكون محنة الحكمة شاملة ونكبة الحكماء عامة. وأشاروا على المنصور أن يصبغ غضبه بصبغة الدفاع عن الملة لتكون النكاية بالحكماء أشد واللوم على الوقيعة بهم أخف. فأمر المنصور طلبة مجلسه وفقهاء دولته بالحضور بجامع المسلمين وتعريف الملأ بأن ابن رشد ومن معه مرقوا من الدين وأنهم استوجبوا اللعنة جهارا. (21-3) شركاء ابن رشد
أما أصدقاء ابن رشد الذين أضيفوا إليه فهم: الفقيه أبو عبد الله بن إبراهيم الأصولي، فقد لف معه في حريق الملام، لأشياء نقمت عليه في مجالس المذاكرة وفي أثناء كلامه مع توالي السنين والأيام؛ وأبو جعفر الذهبي الفقيه؛ وأبو الرابع الكفيف؛ وأبو العباس الحافظ الشاعر القراي. (21-4) أسباب النكبة
تضارب المؤرخون في ذكر النكبة التي أصابت الحكمة في شخص ابن رشد ومدرسته، ومعظم المؤرخين يرغبون في ردها إلى أسباب مادية محسوسة أغضبت الخليفة، ولكن واحدا أو اثنين منهم يحومان حول السبب الحقيقي ويلمحان إليه فقال أحدهما: «وكان لها سببان: جلي، وخفي. فأما سببها الخفي وهو أكبر السببين، فأن الحكيم أبا الوليد رحمه الله أخذ في شرح كتاب الحيوان لأرسطاطاليس صاحب كتاب المنطق، فهذبه وبسط أغراضه وزاد فيه ما رآه لائقا به، فقال في هذا الكتاب عند ذكره الزرافة وكيف تتولد، وبأي أرض تنشأ «وقد رأيتها عند ملك البربر»، جاريا في ذلك على طريق العلماء في الأخبار عن ملوك الأمم وأسماء الأقاليم، غير ملتفت إلى ما يتعاطاه خدمة الملوك ومتحيلوا الكتاب من الإطراء والتقريظ وما جانس هذه الطرق، فكان هذا مما أحنقهم عليه غير أنهم لم يظهروا ذلك، وفي الجملة فإنها كانت من أبي الوليد غفلة.»
অজানা পৃষ্ঠা