ইসলামের দার্শনিকদের ইতিহাস
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
জনগুলি
ولم يتخلص لنا نحن الحق الذي انتهينا إليه، وكان مبلغنا من العلم بتتبع كلام الغزالي وكلام الشيخ أبي علي، وصرف بعضهما إلى بعض، وإضافة ذلك إلى الآراء التي نبغت في زماننا هذا، ولهج بها قوم من منتحلي الفلسفة حتى استقام لنا الحق أولا بطريق البحث والنظر، ثم وجدنا منه الآن هذا الذوق اليسير بالمشاهدة، وحينئذ رأينا أنفسنا أهلا لوضع كلام يؤثر عنا، وتعين علينا أن تكون أيها السائل أول من أتحفناه بما عندنا، وأطلعناه على ما لدينا لصحيح ولائك وزكاء صفائك، غير أنا إن ألقينا إليك بغايات ما انتهينا إليه من ذلك من قبل أن تحكم مباديها معك، لم يفدك ذلك شيئا أكثر من أمر تقليدي مجمل، هذا إن أنت حسنت ظنك بنا بحسب المودة والمؤالفة، لا بمعنى أنا نستحق أن يقبل قولنا، ونحن لا نقنع لك بهذه الرتبة ولا نرضى لك إلا ما هو أعلى منها، إذ هي غير كفيلة بالنجاة فضلا عن الفوز بأعلى الدرجات، وإنما نريد أن نحملك على المسالك التي تقدم عليها سلوكنا، ونسبح بك في البحر الذي قد عبرناه أولا حتى يفضي بك إلى ما أفضى بنا إليه، فتشاهد من ذلك ما شاهدناه، وتتحقق ببصيرة نفسك كل ما تحققناه، وتستغني عن ربط معرفتك بما عرفناه. وهذا يحتاج إلى مقدار معلوم من الزمان غير يسير، وفراغ من الشواغل وإقبال بالهمة كلها على هذا الفن، فإن صدق منك هذا العزم وصحت نيتك للتشمير في هذا المطلب فستحمد عند الصباح مسراك وتنال بركة مسعاك، وتكون قد أرضيت ربك وأرضاك، وأنالك حيث تريده من أملك وتطمح إليه بهمتك وكليتك، وأرجو أن أصل من السلوك بك على أقصد الطريق وآمنها من الغوائل والآفات، وإن عرضت الآن إلى لمحة يسيرة على التشويق والحث على دخول الطريق فأنا واصف لك قصة «حي بن يقظان وأبسال وسلامان»، ففي قصصهم عبرة لأولي الألباب وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. (8) إيضاح لفلسفة ابن طفيل
1
فلسفة ابن طفيل الباقية لنا موجودة في كتابه الوحيد الذي سماه «أسرار الحكمة المشرقية»، وهو بنفسه رسالة «حي بن يقظان»، ويظن الذين اطلعوا عليها أن ابن طفيل استخلصها من فلسفة ابن سينا، وهذا خطأ لأنها فلسفة قائمة بذاتها، وقد فرغنا فيما ترجمنا له من عرض آرائه في فلسفة الأئمة السابقين كالفارابي والغزالي وابن سينا وابن باجه، ورأينا هذا الفيلسوف الأندلسي يختط لنفسه خطة قائمة بذاتها مستقلة عن أفكار الجميع، وقد مهد لها بتمهيد بليغ، أقر فيه بأنه وقف على آراء الجميع واستخلص لنفسه مذهبا، وهو أول فيلسوف إسلامي صب فلسفته في قالب قصصي وجعل بطل قصته شخصا متوحدا، يكون نفسه وأفكاره بالاحتكاك بالطبيعة وبالكائنات التي هي أقل منه درجات من جماد ونبات وحيوان إلى أن يصل إلى نقطة الإدراك والاتصال ، فهذه القصة الخيالية تعد بحق نوعا من الطوبى العقلية التي قلدها ونسج على منوالها كثيرون من كتاب الإفرنج ومفكريهم.
2
وقد ذكر هذا الفيلسوف أنه علم عن السلف الصالح أن جزيرة من جزائر الهند التي تحت خط الاستواء، وهي الجزيرة التي يتولد بها الإنسان من غير أم ولا أب، وبها شجر يثمر نساء. ولا يخفى ما في هذا القول من مفارقة بينه وبين تاريخ نشوء الإنسان من آدم وحواء، فإن جميع الأديان اتفقت على أن أصل الإنسان من رجل وامرأة خلقهما الله، ولم يقل أحد من علماء الدين أن الإنسان يخلق من الأرض لاعتدال جوها وخصب تربتها، فهذا القول من ابن طفيل يعد غريبا بوصف كونه حكيما مسلما نشأ في القرن السادس للهجرة، يقول ابن طفيل بعد أن تكلم على تكون الحرارة بسبب الحركة وملاقاة الأجسام الحارة والإضاءة، وأن بقاع الأرض التي على خط الاستواء لا تسامت الشمس رءوس أهلها سوى مرتين في العام: عند حلولها برأس الحمل، وعند حلولها برأس الميزان. وهي في سائر العام ستة أشهر جنوبا وستة أشهر شمالا منهم، فليس عندهم حر مفرط ولا برد مفرط، وأحوالها بسبب ذلك متشابهة. وهذا القول يحتاج إلى بيان أكثر من هذا لا يليق بما نحن بسبيله، وإنما نبهناك عليه لأنه من الأمور التي تشهد بصحة ما ذكر من تجويز تولد الإنسان بتلك البقعة من غير أم ولا أب، فمنهم (أي من علماء السلف الصالح) من بت الحكم وجزم القضية بأن حي بن يقظان من جملة من تكون في تلك البقعة من غير أم ولا أب، ومنهم من أنكر ذلك وروى من أمره خبرا نقصه عليك:
ثم اندفع ابن طفيل يروي قصة خيالية عن زواج سري بين يقظان وأخت ملك تلك الجزيرة، وأن هذا الزواج السري أثمر طفلا وضعته أمه في تابوت وألقته في البحر، كما حدث لموسى عليه السلام.
وأن الذي كفل الطفل، الذي خاله ملك تلك الجزيرة وأبوه يقظان، ظبية حنت عليه ورئمت به وألقمته حلمة ثديها وأروته لبنا سائغا، وما زالت تتعهده وتربيه وتدفع عنه الأذى.
على أن ابن طفيل لم ترضه تلك القصة فعاد إلى رواية التكوين الطبيعي بغير أم ولا أب فقال: وأما الذين زعموا أنه تولد من الأرض فإنهم قالوا إن بطنا من أرض تلك الجزيرة تخمرت فيه طينة على مر السنين والأعوام، حتى امتزج فيها الحار بالبارد والرطب باليابس امتزاج تكافؤ وتعادل في القوى، وكانت هذه الطينة المتخمرة كبيرة جدا، وكان بعضها يفضل بعضا في اعتدال المزاج والتهيؤ لتكون الأمشاج. وكان الوسط منها أعدل ما فيها وأتمه مشابهة بمزاج الإنسان، فتمخضت تلك الطينة وحدث فيها شبه نفاخات الغليان لشدة لزوجتها وحدث للوسط منها لزوجة ونفاخة صغيرة جدا منقسمة بقسمين بينهما: حجاب رقيق ممتلئ بجسم لطيف هوائي في غاية من الاعتدال اللائق به فتعلق به عند ذلك الروح الذي هو من أمر الله تعالى وتشبث به تشبثا يعسر انفصاله عنه عند الحس وعند العقل!
3
ويستمر ابن طفيل في سرد قصة هذا الطفل، الذي هو أشبه الناس بروبنصون كروزو إسلامي أندلسي يتميز عن ذاك الملاح المتوحد بأنه نشأ فريدا لم يعرف بشرا، ولم يألف إنسا، ولم يقف على شيء من شئون الحياة المادية والمعنوية. ولم يفت ابن طفيل بعد أن مس مذهب النشوء والارتقاء عن بعد، أن يلم بمبدأ تنازع البقاء بين الإنسان والحيوان فقال:
অজানা পৃষ্ঠা