وجاء الجلال السيوطي المتوفى سنة 911ه فكتب في هذا الشأن عدة كتب، أشهرها منظومته المسماة «عقود الجمان في المعاني والبيان» وشرحها.
والمتتبع لحركة هذا العلم يجد أنه لم يتقدم من بعد السكاكي تقدما ذا شأن، وكل ما فعله الخطيب القزويني أن هذب ما جاء به السكاكي وبوبه تبويبا يسهل تناوله على المتعاطين، وقرب مسائله تقريبا كان السبب في إقبال الناس على كتابه والاعتماد عليه.
وكان العلماء من قبل السكاكي ينظرون إلى هذا العلم بنظر أوسع، وكانوا لا يرون حصره في الدائرة التي حصروه فيها والأبواب التي قصروها عليه، فكانوا يرون أنه شامل لكل ما يبحث فيه عن خواص الكلام التي ترفع من قدره والأسرار التي تكسبه نبلا، وهذه الأسرار وتلك الخصائص أكثر من أن تتسع لها الأبواب التي اختطها لها السكاكي والقزويني ومن مشى على أقدامهما.
فالمفتاح وتلخيصه والإيضاح وإن كانت أحسن من غيرها من حيث التبويب الفني والتنسيق العلمي من الوجهة النظرية، إلا أن ما كتبه عبد القاهر الجرجاني ومن اقتفى أثره من العلماء أقوى أثرا في تقويم الألسنة وتثقيف الأقلام من الوجهة العلمية، فالنوع الأول يتخرج به علماء في فنون البلاغة، والثاني يتخرج به بلغاء حقا.
وقد ثبت بالتجربة أن معظم أولئك الذين يعتمدون في تحصيلهم على التلخيص وشروحه وحواشيه وما إلى ذلك، يتعسر على أحدهم إن لم نقل يتعذر أن يكتب رسالة صحيحة فضلا عن أن تكون بليغة، وقد بلغنا لهذا العهد أن شيخا من مشيخة هذا الشأن أكب على تدريس المطول ومختصره وحواشيهما وحواشي حواشيهما أربعين سنة ونيفا، ثم شهد حفلا فطلب إليه الوالي أن يفوه بشيء من الدعاء فما استطاع أن يلائم بين عبارتين أو يزاوج بين كلمتين صحيحتين فضلا عن كونهما فصيحتين.
وأمثال هذا الشيخ البكيء من المتخرجين بمدرسة القزويني ليس بالعدد القليل.
ولما ظهرت طلائع النهضة الأدبية في مصر، ولاحت تباشير الإصلاح العلمي هناك، وأنشئت جمعية إحياء العلوم العربية، كان على رأسها الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، فرأى ما عليه كتب المتأخرين من الجدب والجمود ، فرجع ببصره إلى آثار الأقدمين فوجد أن كتابي عبد القاهر الجرجاني من أحسن ما أخرج للناس في موضوعهما، فبادر إلى تدريسهما في الجامع الأزهر، فانتظم في حلقته إذ ذاك جماعة كبيرة من نبهاء الطلاب، وانضم إليهم طائفة من أهل العلم والفضل؛ فكان لهذا العمل أثره الخالد، فقد تخرج بهذه الحلقة فئة ضربت في البلاغة بأيمن سهم وأوفر نصيب، تزينت بها صدور المحافل ورءوس المنابر وحلقات المدارس، ولها الفضل الأوفر في رفع منار الآداب، وتأييد دولة الأقلام في عصرنا هذا.
البديع
أول من أبدع هذا الاسم لهذا العلم عبد الله بن المعتز، وهو أول من دونه ولاءم بين شتات مسائله، فقد قال في صدر كتابه الذي ألفه فيه: «وما جمع قبلي فنون البديع أحد، ولا سبقني إلى تأليفه مؤلف، وألفته في سنة أربع وسبعين ومئتين، فمن أحب أن يقتدي بنا ويقتصر على هذا فليفعل، ومن أضاف من هذه المحاسن أو غيرها شيئا إلى البديع وارتأى غير رأينا فله اختياره ...»
وكان جملة ما جمعه من أنواع البديع سبعة عشر نوعا، وكان ممن يعاصره قدامة بن جعفر الكاتب وقد جمع كتابا في البديع ضمنه عشرين نوعا، توارد مع ابن المعتز على سبعة أنواع وبقي له ثلاثة عشر، فكان مجموع ما جاءوا به ثلاثين نوعا. وجمع أبو هلال العسكري في كتاب الصناعتين سبعة وثلاثين نوعا، وجمع ابن رشيق القيرواني مثلها في عمدته، وجمع شرف الدين التيفاشي سبعين نوعا، وأوصلها زكي الدين بن أبي الإصبع في كتاب التحرير إلى التسعين. والظاهر أن أقدام المؤلفين ازدحمت حول هذا العلم منذ كان في المهد، فقد ذكر ابن أبي الإصبع أنه لم يؤلف كتابه المذكور إلا بعد أن وقف على أربعين كتابا في هذا العلم أو بعضه.
অজানা পৃষ্ঠা