وكتب ابن الحاجب مقدمته المعروفة ب «الشافية»، وتكاثرت عليها الشروح والحواشي حتى صارت تعد بالعشرات، وكثير من شروحها مطبوع متداول، وقد طبعت لهذا العهد مجموعة تحتوي على طائفة من تلك الشروح والحواشي.
وكثير من المؤلفين يختمون كتبهم بأبحاث في التصريف، كما فعل ابن مالك في ألفيته والجلال السيوطي في كتابه «همع الهوامع»، على أن معظم أبواب التصريف منبثة في ثنايا كتب النحو لمكان الحاجة إليها هناك.
ومن الكتب الموجزة في هذا الفن: نزهة الطرف في علم الصرف للميداني، ومراح الأرواح لعلي بن مسعود، والعزى، والمقصود، وكل ذلك مطبوع متداول.
وللأعاجم ولوع في مدارسة هذا الفن لمسيس الحاجة بالنسبة إليهم، أما العربي فيعرف كثيرا من مسائله بمقتضى سليقته فلا يجد كبير فائدة بالمقدار الذي يجده الأعجمي، ولهذا قل المؤلفون فيه من أبناء العرب.
بعض عاهات الكتب المتداولة في النحو لهذا العهد
لا نريد في هذا المقام أن نمعن في الاستقراء والاستقصاء، وكل ما نرمي إليه أن نلقي نظرة عجلى على جمهرة الكتب التي اتخذ منها المعاصرون مناهج لدراسة النحو في المدرسة القديمة أو الحديثة، ونشير إلى بعض العاهات التي منيت بها وغضت من شأنها في أنظار أبناء العصر، بل قللت الانتفاع بها إلا بعد الجد والكد والإسراف في الوقت، ويمكن إجمال البارز من تلك العاهات في النقاط التالية: (1)
الإيجاز الشحيح إلى حد الإخلال المقصود، ولا سيما في المتون التي وضعها المتأخرون وفي مقدمتهم الإمامان أبو عمر عثمان بن الحاجب وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك. وقد تبارى المؤلفون في هذا الشأن ولا تباري الفرسان في مضمار الرهان، يشبعون المعاني ويجيعون الألفاظ حتى تصاب بالهزال والبهر فلا تقوى على حمل ما أثقلت به من المعاني، فتحور إلى طلاسم ومعميات يتعذر على الطلبة الاستقلال بحل رموزها إلا بعد الفزع إلى المشايخ، ويتعسر على هؤلاء الكشف عن غوامضها إلا بعد الرجوع إلى الشروح والحواشي والتعاليق.
وقد نعى ابن خلدون على القوم طريقتهم هذه، وأفرد لذلك فصلا خاصا في مقدمة تاريخه قال فيه: «وهو فساد في التعليم، وفيه إخلال بالتحصيل ...» وقال: «قصدوا إلى تسهيل الحفظ على المتعلمين فأركبوهم صعبا يقطعهم عن تحصيل الملكات النافعة وتمكنها ...»
ومسألة الحفظ هذه كانت أولى الغايات وآخرها في هذه المعضلة، يجورون على العبارة كل الجور في التقتير والتقدير ليسهل على الحافظة ازدرادها، وفاتهم أن العلوم إنما تطلب لتفهم وترسخ ملكاتها في العقول، وأما الحفظ المجرد عن الفهم بل الهضم فإثمه أكبر من نفعه وضرره في الذهن لا يقل عن الأضرار التي تصيب المعدة من جراء الأطعمة التي تدهدى فيها من غير مضغ وتحليل، وأن استظهار الألفاظ قبل تحديد معانيها الصحيحة في الذهن تحديدا واضحا يلجئ الذهن بعد الحيرة إلى خلق معان لها قد تكون قصية عن المقصود ولكنها تأخذ في الذهن مكانها وتستعصي فيه، ويعسر بعد ذلك على المعاني الصحيحة زحزحتها واحتلال مكانها فيحصل من هذا التدافع فوضى ذهنية يستعصي على أطبة النفوس استئصالها.
ولهذا نرى علماء النفس يشددون النكير على من يعلم الطفل لفظا قبل تحديد معناه في ذهنه تحديدا واضحا، ويستعينون على ذلك بالمحسوسات أو ما يقرب منها، ومن ثم ذهب بعض الأعلام من أولينا إلى أنه لا ينبغي أن يؤخذ الأحداث بحفظ القرآن الكريم إلا بعد أن يستعدوا لفهمه بتقديم دراسات أخرى، وقال أبو بكر بن العربي: «يا غفلة أهل بلادنا في أن يؤخذ الصبي بكتاب الله في أول أمره يقرأ ما لا يفهم ...!» وقد استحسن العلامة ابن خلدون هذا المذهب وإن اعتذر لتطبيقه بحكم العادة. (2)
অজানা পৃষ্ঠা