هذا هو الرأي في اشتقاق الاسم الأعجمي المعرب من غيره، وأما الاشتقاق من اسم الجنس الأعجمي المعرب فمعروف في العربية شائع فيها، والعرب كثيرا ما تجري على هذا الضرب من المعربات الأحكام الجارية على العربي الصميم، ألا تراهم تصرفوا في اللجام وهو معرب تصرفهم في لفظ عربي أصيل فقالوا: ألجم يلجم إلجاما ورجل ملجم وفرس ملجم، وقالوا: تلجم يتلجم تلجما، كما تصرفوا في الديوان وهو دخيل فقالوا: دون يدون تدوينا، والرجل مدون، والعلم مدون، وقالوا: بهرجه إذا أبطله، وأصله من قولهم درهم بهرج أي رديء، وهو معرب «نبهره» ويراد به الزغل والباطل.
والخلاصة
إنه لا يجوز بوجه من الوجوه أن يكون الاسم الأعجمي المعرب مشتقا من لفظ عربي سواء كان الاسم الأعجمي علما في اللغة الأعجمية أو نكرة، أما الاشتقاق من الاسم الأعجمي المعرب فيكثر في النكرات ويندر في الأعلام، فإذا سمى بعض العرب ابنه «قابوس» تعريب «كابوس» أو ابنته شيرن فلا يبحث عن كون هذين العلمين مشتقين أو أنهما أصل يشتق منهما، وعربوا «زيوه» فقالوا «زئبق» ولم يسألوا هل هو مشتق ومن أين هو مشتق، ولكنهم تصرفوا به واشتقوا منه فقالوا زأبق الدرهم ودرهم مزأبق إذا كان مطليا بالزئبق، وقالوا فيه: الزوق والزاووق، وقالوا تزوق تزويقا إذا تزين وتحسن، ووجه مزوق وثوب مزوق بمعنى مزين وتحرفه العامة فتقول: مزروق.
وعلى هذا الأصل مشى أسلافنا في تصريف كثير من أسماء الأجناس المعربة، فقالوا: فلسف وتفلسف ورجل متفلسف، وقالوا: قرطس من القرطاس وهو أعجمي معرب، ومعنى قرطس أصاب القرطاس وهو الهدف لأنه يكون من القرطاس في الغالب. وإذا علمنا أن «الكهربا» معرب «كاه ربا» بالفارسية ومعناه فيها جاذب التبن، ويريدون به المادة التي يعمل منها هذا الخرز الأصفر المعروف اليوم باسم «الكهرب»، إذا علمنا هذا وأطلقنا اليوم هذه اللفظة على القوة المخصوصة جاز أن نتصرف بها فنقول: تكهرب الجسم، وجسم مكهرب، وقد كهربنا الصندوق، وصندوق مكهرب، وكذلك إذا قبلنا تعريب كلمة التلفون مثلا قلنا على أسلوب الأسلاف أن نقول: تلفن فلان يتلفن.
وفي هذا ما فيه من تذليل العقاب الماثلة أمام المترجمين والمؤلفين في العلوم الكونية المختلفة، التي فاض فيض المصطلحات فيها وطمى تيارها. (6-6) كيفية التعريف
قلنا: إن التعريب هو نقل الكلمة من لغة أجنبية إلى اللغة العربية بتغيير أو بدونه، ولكن الغالب فيه التغيير قليلا كان أو كثيرا وذلك إما أن يكون بالزيادة أو النقص أو الإبدال، وعلى كل إما أن يكون لازما أو غير لازم، وهاك الأمثلة على ذلك: مثال التغيير اللازم بالزيادة: «الدستجة» بمعنى الحزمة معرب «دسته»، بدلت فيها الهاء جيما وزيدت التاء في آخرها للدلالة على الوحدة، و«صك» معرب «جك» زادوا في آخره حرفا من جنسه وأدغموه فيه ، لأن الأصل في الاسم العربي ألا يقل عن ثلاثة أحرف.
ومثال التغيير غير اللازم بالزيادة: «سكر»، زيدت فيه الكاف بعد السين وأدغمت في الكاف بعدها.
ومثال التغيير اللازم بالنقص: «رست» معرب «راست» بمعنى «صحيح»، حذفت الألف دفعا لالتقاء الساكنين، و«أبزن» مثلث الهمزة حوض يغتسل فيه ويتخذ من نحاس ليجلس فيه المرضى للتعريق وقد يتخذ من الخشب، وقال أبو دؤاد الإيادي يصف فرسا منتفخ الجنبين:
أجوف الجوف فهو منه هواء
مثل ما جاف أبزنا بخار
অজানা পৃষ্ঠা