তারিখ ইল্ম আদাব
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
জনগুলি
الدور الثالث من حياة فيكتور هوكو، وهو دور شيخوخته أي: من رجوعه إلى فرنسا سنة 1870 إلى وفاته سنة 1885
بعد أن أقام فيكتور هوكو في منفاه ثماني عشرة سنة عاد إلى باريس مع من عاد من أركان الحزب الجمهوري، واستقبله أحباؤه وأشياعه، وأنزلوه على الرحب والسعة، فحرر خطابا بليغا للألمانيين يحضهم فيه على الصلح وترك الحرب، وكان من رأيه السياسي وضع اتفاق بين الأمة الفرنساوية والبروسيانية وتقسيم البلاد بينهما؛ فلم يصغ الألمانيون لخطابه وظلوا هاجمين حتى بلغوا خنادق باريس، وألقوا الحصار عليها، فترك فيكتور هوكو القلم من يده، وأمسك السيف، وانتظم في سلك الجنود المحافظين من الأهالي، ودافع عن أوطانه، وتألم بآلام إخوانه، ولما احتلت العساكر البروسيانية باريس هاجر منها أهلها، واتخذت الحكومة الجمهورية مدينة بوردو مركزا لها عوضا عن باريس، وانتخبت أيالة السين فيكتور هوكو مبعوثا لها في مجلس النواب، فلما قام يخطب عارضه أصحاب اليمين، وأكثروا اللغط، وأبوا الإنصات له، فقال لهم: «منذ ثلاثة أسابيع رفض المجلس الإصغاء لغاريبالدي، واليوم يرفض الإصغاء لي فأقدم استعفائي».
وغاريبالدي هو من القواد الذين حاربوا لأجل استقلال إيطاليا، وهاجم رومة العظمى وانتزعها من يد البابا، وسلمها إلى ملك إيطاليا ليتخذها عاصمة للملك، فلما انتشبت الحرب بين فرنسا، وبروسيا دخل متطوعا في العسكر الفرنساوي، ودافع عن فرنسا أشد المدافعة، فانتخب مبعوثا في مجلس النواب مع كونه طلياني الأصل، وكانت الأكثرية في المجلس من حزب الملوكيين والرهبانيين فاتهموه بالكفر والإلحاد لتجاوزه على رومة، ونزعه سلطة البابا منها؛ ولذا لم يصغوا لكلامه.
وفي ذاك التاريخ أعيد طبع كتاب «القصاص» نكالا من حزب الإمبراطورية، وكان يباع بالمائة ألف نسخة معا، ولما كان ابن فيكتور هوكو المسمى شارل في بوردو دخل عند صاحبة له يقضي ليلته، فتوفي فجأة في فراشها وحزن أبوه حزنا شديدا، فجاء بجثته إلى باريس، ودفنها يوم حدوث ثورة الكومين، وانعطف بالحنو والرأفة على ولديه الأصغرين وهما جورج وجان، وبالغ في دلالهما حتى أثر هذا الدلال في أخلاقهما، وأصبحت جان لا تستطيع معاشرة زوجها حتى طلقها لشدة ميلها إلى اللهو والخلاعة، وبعد وفاة شارل تزوج الموسيو لوقروا بزوجته لتربية الولدين لإحياء بيت فيكتور هوكو، فتبناه الشاعر وأحبه حبا شديدا.
ولزم فيكتور هوكو الحيادة في المسائل السياسية لحزنه على ولده، وفلذة كبده. غير أنه لم يطق الصبر على ما شاهده من فظائع الرعاع، فلامهم على قلبهم العمود المنصوب لنابوليون الأول، كما لام حكومة فرسايل على إطلاقها القنابل على قنطرة النصر المنصوبة له، وبرأ نابوليون الأول مما جناه ابن أخيه على البلاد من الحرب التي جلبت عليهم الويل والدمار، وذهب هوكو في أثناء تلك المعامع إلى بروكسل وإلى لوندره، ونشر كتابه المعنون «بألسنة المهولة» وشدد فيه النكير على دخول الأجانب لفرنسا، وعلى الفظائع التي أجراها الرعاع والسفلة وهم الكومين.
ثم عاد فيكتور هوكو لباريس وأنشأ فيها جريدة سماها «الشعب الحاكم»، وجعل ثمنها خمسة سنتيمات لكل نسخة ليتمكن الفقراء من مطالعتها، ولم يهدأ بال الشاعر برجوعه لأوطانه، واجتماعه على أحبائه وخلانه إلا وأصيب بموت ابنه الثاني فرانسوا، فصبر على مصائب العمر ونكبات الزمان، وسلم الأمر لله؛ لأنه كان من الموحدين، وعكف على النظم والنثر فنشر سنة 1874 قصة عنوانها «ثلاث وتسعون»، وتكلم فيها عن الانقلاب الفرنساوي الكبير، وفي سنة 1875 انتخب فيكتور هوكو عضوا لمجلس الأعيان (سينا)، فجلس في نهاية أصحاب الشمال، ولم يتكلم في المجلس إلا قليلا مثل طلبه العفو عن مجرمي الكومين؛ والكومين هم القوة المحزبة، أو الإدارة العرفية التي تتشكل في العاصمة وتحدث انقلاب الدولة، ويحصل بسبب ذلك من تعدي الرعاع وتسلط السفلة ما تقشعر من سماعه الجلود، وقد تأسست هذه الإدارة المرهبة في باريس مرتين إحداهما سنة 1792 والأخرى سنة 1871، واستمرت هذه السنة من 18 مارس إلى غاية مايو، وجرى في أثناء ذلك كثير من التعديات والمظالم، فكان فيكتور هو يشير في المجلس بالعفو عما مضى ولم يظهر له اقتدار كبير في السياسة، ولا في فن الخطابة مثل غامبتا وأمثاله من فحول السياسيين، وإنما صرف كل قواه في الاشتغال بعلوم الأدب والتاريخ، ونشر «الأقوال والأعمال»، و«أولادي»، و«معرفة ما يكون به الإنسان جدا».
وفي سنة 1877 نشر القسم الثاني من «سير الدهور»، و«الأملاك العمومية التي تدفع الرسوم»، ونشر من سنة 78 إلى سنة 1881 أربع منظومات فلسفية وهي «البابا»، و«الرحمة العالية»، و«الأديان والدين»، و«الحمار».
وحاز في شيخوخته احتراما كبيرا وثروة عظيمة زادت على ثلاثة ملايين فرنك، ولما بلغ الثمانين من عمره احتفل به أهالي باريس احتفالا عظيما، وزينت له المدينة في 26 شباط سنة 1881، ووفد عليه المهنئون من جميع الولايات والنواحي، وأكثر الممالك الأجنبية فاستقبلهم وهو واقف بين حفيده جورج وحفيدته جان وكان مغرما في حبهما، وفي حب جميع الأطفال، وقد خصهم بالذكر في أشعاره وتغزل بهم؛ ولذا كان في جملة الوفود المهنئين وفد من أجمل الأطفال الصغار يحملون له باقات الأزهار، ولم يبق أحد في باريس إلا ومر ببابه، وصاح جمهورهم بالدعاء له فوقف في نافذته وحياهم كما يحيي الملك شعبه، ودموعه تذرف من شدة التأثر والإشفاق، وكان مشاهير الرجال وأمراء الناس وأعيانهم كلما جاءوا باريس زاروه في داره وحضروا مجلسه، وكان في جملة من زاره إمبراطور البرازيل، فكان الاحتفال ببلوغه الثمانين من أجمل الاحتفالات التي لم يسبق مثلها إلا للشاعر الفيلسوف فولتير قبل موته بقليل.
ونشر فيكتور هوكو في آخر أيامه منظومة طويلة سماها «رياح العقل الأربع»، ورواية «توركماده»، والقسم الثالث من «سير الدهور»، و«أرخبيل بحر المانش»، وغير ذلك من الآثار التي نشرت بعد وفاته، وسيأتي وصفها في أواخر هذا الكتاب.
ولما توفي فيكتور هوكو سنة 1885 لبست باريس عليه أثواب الحداد، والتبس فيها الأمر على الغرباء حتى لم يعلموا هل القوم في مأتم عظيم أم في عيد كبير، وجيء بجثته فوضعت في تابوت عال تحت قنطرة النصر بعد أن كسيت بالسواد، وزينت بالأزهار والرياحين، واصطف الشعراء حولها صفوفا، واحتاط بهم الفرسان يحملون بأيديهم المشاعل، وسهروا عليه طول ليلتهم والناس يمرون أمام تابوته أفواجا أفواجا، ولما أصبح الصباح اجتمعت الجموع، وزينت الصفوف، وكانت أكثر المدن الفرنساوية والممالك الأجنبية قد بعثت بالوفود والأكاليل، فحملوا الجنازة من تحت قنطرة النصر إلى البانتيون ، وصار له مشهد لم يسبق لشاعر قبله ولا لفولتير، وكانت وصية هوكو أن لا يحضر جنازته راهب ولا أحد من الأكليروس وأن يدفن كالفقراء؛ ولذا كانت العربة التي حملوه عليها من عربات الفقراء لا تناسب دبدبة هذا الاحتفال، ولم يجر له احتفال ديني بل كان الاحتفال بجنازته أهليا. ا.ه.
অজানা পৃষ্ঠা