তারিখ ইল্ম আদাব
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
জনগুলি
وظل الإفرنج بعد استرداد صقلية يكتبون بالعربية على المباني العمومية والعمارات الملوكية، واستعمل علماؤهم اصطلاحات العرب العلمية في جميع أوروبا، وفي القرن الثالث عشر للميلاد فتحوا مدرسة للطب والعلوم في مدينة مون بيليه القريبة لمرسيليا، وجاءوا لها بالمعلمين من عرب الأندلس ويهودها المستعربين، فكانت تلك المدرسة أقدم المدارس في أوروبا بعد مدرسة ساليرن القريبة لنابولي، ولم تزل مدرسة مون بيليه عامرة يقصدها طلبة العلم من الأستانة ومصر وغيرهما من بلاد الشرق، ثم في سنة 1323 أنشأ أدباء الإفرنج في مدينة طولوز التي فتحها العرب سابقا جمعية أدبية لم تزل زاهرة إلى يومنا هذا، وتسمى جمعية «لعب الأزهار»، وتفرق في كل سنة على نوابغ الشعراء عشر جوائز مصوغة من الذهب والفضة على هيئة الأزهار، وكان لفيكتور هوكو منها أوفر نصيب كما تقدم، ومعلوم أن العرب أقاموا مدة بتلك الأصقاع، وحرثوا أرضها، وتزوجوا بناتها وعمرت بهم مدينة أربونة (ناربون) وقرقشونة (قرقسون) وفراقسنة، وكانت مستعمرة للعرب في شرق مرسيليا، وقسطل سارازين ومعناها قلعة العرب، وهي في الشمال الغربي من طولوز.
فتعلم الإفرنج من العرب القوافي، ورقة الغزل، وآداب النظم والنثر، وتلحين الأغاني والشعر ونقلوا عنهم القصص والحكايات والنوادر، وضروب الأمثال، والحكم المنقولة عن الفرس والهنود كما هو مفصل في تواريخ الأدب الفرنساوي، وإلى ذلك أشار الموسيو رينه دوميك في كتابه المتداول بأيدي طلبة العلم في عموم المدارس الفرنساوية، وبعد أن اطلع الإفرنج من كتب الإسلام على ما عند اليونان من الفلسفة والحكمة أقبلوا على درس اللغة اليونانية، ولم يهملوا كتب أدبها كما أهملها العرب من قبلهم، بل تهافتوا على درس أدب اليونان واللاتين وعلى حفظ أشعارهم والتمثل بها، وهاموا في قص قصصهم وفي تشخيص رواياتهم؛ لأن فن التشخيص أو التمثيل كان شائعا عند اليونان والرومان وألف أدباؤهم كثيرا من الروايات واشتهر منها مؤلفات أوريبيد وسيما رواية «أندروماق» التي نسج راسين على منوالها، ولا يزال السياح يشاهدون في أتينة على سفح الجبل تحت قلعة الأقروبول آثار المرسحين العظيمين اللذين هما من بقايا التمدن القديم.
وكان أسبق أمم أوروبا إلى تحصيل فنون الأدب الإسبانيول، والطليان المجاورون للعرب، فظهر في الأولين من فحول الشعراء لوب دوفيكه، ونظم نحو ألف وثمانماية رواية تمثيلية، وظهر فيهم أيضا الشاعر قالديرون ولوقين وغيرهم، وفي الطليان ظهر الشاعر دانتي (1265-1321م)، وطار له ذكر في العالم، وهو يعد في مصاف أكبر شعراء الأمم القديمة والحديثة، وسبب شهرته كتابه الموسوم بالكوميدية الإلهية - ديفين كوميدي - ألفه في غضون سنة 1300م، وجعله على ثلاثة أبواب باب في جهنم، وباب في الأعراف، وباب في الجنة، وسمى الباب منها بالنشيد وقسمه إلى مائة غناء، كل غناء يشتمل على 130 أو 140 بيتا، وافتتح كتابه بباب جهنم، وصور نفسه مشرفا على غابة مظلمة تقشعر الجلود من سماع وصفها، وهم بدخولها لو لم يعترضه ثلاثة سباع كاسرة. وبينما هو بين أظفار المنية وإذ ظهر له فرجيل الشاعر اللاتيني، وعرض عليه أن يكون قائدا له في الأعراف والسعير فقط؛ لأنه لا يستطيع دخول الجنة ولا وطء عتابها لكونه من عبدة الأوثان، فقبل دانتي بقيادة فرجيل له وسارا معا في عالم أهل النار، وأطنب الشاعر في وصف أصحاب السعير، وصور عذاب الذين مر بهم من الظلمة والجبارين، وأتى على قصة أيكولين، وكان جبارا عنيدا في مدينة بيزا فوقع بأيدي أعدائه فوضعوه مع أولاده في برج، وسدوا عليهم جميعا فاشتد به الجوع وأكل أولاده ثم هلك.
فوصف دانتي جميع ذلك بصورة هائلة على الأسلوب المعروف بالدراماتيقي، ولما أدته خاتمة المطاف إلى الجنة وجد ببابها بياتريس، وكانت من ربات الجمال المشهورات بمدينة فلورانسا، وقيل كانت معشوقته فتلقته واخترقت به طبقات الجنة المسيحية، أو طباق السموات فلقي فيها كثيرا من الأبرار، والقديسين، والملائكة المقربين وباحثهم بالمسائل اللاهوتية والعلوم الإلهية والكلامية. وجمع دانتي في مؤلفه علوم العصر وآدابه ومعارفه، ووضع به أساس اللغة الطليانية، فكان كتابه كدائرة المعارف والآداب، ولم يزل يستوقف أنظار الأدباء بحسن ترتيبه وجودة سبكه وبما فيه من المهارة العجيبة في التنقل من مبحث إلى آخر، فالكوميدية أو المضحكة الإلهية أشبه برسالة الغفران التي حررها المعري قبل تأليف الكوميدية بأكثر من قرنين وقدمها جوابا لرسالة وردت عليه من أحد أصحابه الأفاضل في حلب، وانتقل فيها لذكر الجنة ونعيمها ولذكر من دخلها من الشعراء الذين يتبعهم الغاوون وفي كل واد يهيمون، وما كانوا يدخلونها إلا بعمل صغير كان له عند الله أجر كبير، فغفر لهم ما تقدم من الذنب وما تأخر، وقالت لهم الملائكة: طبتم فادخلوها خالدين.
واقتفت الأمم الأوروبية أثر الإسبانيين والطليان في العدول عن اللغة اللاتينية إلى وضع لغاتهم القومية وتدوينها، وأقبل الأدباء في إنكلترة على التأليف باللغة الإنكليزية. وأصلح الفرنساويون لسان رومان وهذبوه فأصبح اللغة الفرنساوية. واقتفى الألمان أثر من ذكر من الأمم، ودونوا لغتهم الألمانية، وكان فن الأدب منحصرا في الخواص شأنه عند العرب ولا نظر للعوام فيه؛ ولذا اختار الأدباء اصطلاحات مخصوصة من اللغة وتصنعوا في كلامهم وتعملوا له؛ لأن الخواص من الناس يأنفون من استماع الكلام السوقي المبتذل، ويألفون الغوص على المعاني وإعمال الذهن في استخراجها، ثم ظهر في فرنسا ألكسندر هاردي، وهو أول من أصلح فن التمثيل واللعب على المراسح، واتخذ الروايات الإسبانية نموذجا له، ونظم على منوالها كثيرا من الروايات الفرنساوية وشخصها على مرسح باريس في حدود سنة 1600م. وفن التمثيل كما لا يخفى هو من أكبر العوامل على ترقي فنون الأدب وإصلاح طرق النظم والنثر؛ لأن الأديب يخاطب بهذا الفن الجمهور، وأصناف الناس فيتحرى في كلامه التعبير الذي يستطيعون فهمه، والأساليب التي لها وقع في نفوسهم بخلاف من يؤلف كلامه للخواص، فإنه يتعمل في التأليف ويتصنع ليظهر تفننه واقتداره على إيراد النكت والدقائق التي لا يفهمها إلا أصحاب الغوص على المعاني.
والتمثيل كما لا يخفى مشتق من ضرب المثل، فإن الرواية التمثيلية ما هي إلا ضرب مثل جامع للأطراف والتفاصيل، وأحسن ضروب الأمثال وأبدعها وردت في القرآن الكريم الذي تحدى به النبي - عليه السلام - العرب، وقال أتوني بسورة من مثله فقالوا: أنت تعرف من أخبار الأمم ما لا نعرف فذاك يمكنك ما لا يمكنا، قال: فهاتوها مفتريات. فالرواية هي أسلوب من أساليب المفتريات، وأساس فن التمثيل عند الأوروبيين مستفاد من أعمال المتعبدين في الكنائس، ومن تشخيص ما شبه لهم في المسيح ابن مريم - عليهما السلام - من القتل والصلب، ومن تمثيل آلام الذين اقتدوا به من القديسين والشهداء في سبيل النصرانية، ولما درس الإفرنج اليونانية واللاتينية وانتشقت أساليب هاتين اللغتين في نفوسهم حذوا حذو شعراء اليونان والرومان، واتخذوا رواياتهم منوالا نسجوا عليه أمثالها من كلمات أخرى فرنساوية، وربما ترجموا أبيات شعرهم وسرقوا معانيهم وصاغوها في ألفاظ فرنساوية من الطبقة العليا وتأنقوا فيها نهاية التأنق، وراعوا قواعد النحو والصرف والعروض، وبقية علوم الآلات المدرسية والأساليب المتعارفة، فجاءت أبياتهم متينة وقوافيهم عامرة وكل بيت منها كلام تام في مقصوده، ويصلح أن ينفرد دون ما سواه.
ولم تحصل الملكة في ذلك إلا لمن هو على جانب من العلم، وله الحظ الأكبر من الذوق السليم لاحتياجه إلى تلطف كثير في استحصال الملكة حتى يفرغ الكلام الشعري في قوالبه التي عرفت له، وبلغ الأدب الفرنساوي في عصر لويس الرابع عشر؛ أي من سنة 1600 إلى سنة 1715 أوج الكمال ومنتهى البلاغة، وأصلح الأدباء فنون الأدب ورتبوها على القواعد، وهذبوها ووضعوا المؤلفات الجليلة والروايات البديعة، وظنوا بأنهم لم يتركوا شيئا للمتأخرين. فكان عصر لويس الرابع عشر في الأدب عصرا مدرسيا (كلاسيك) أشبه بعصر أغسطوس عند الرومان، وبعصر بيرقلس عند اليونان. ونبغ من شعراء الفرنساويين في فن الفاجعات (تراجيدي) الأديب بيير قورنيل، والشاعر المفلق راسين، ونبغ في فن المضحكات (كوميدي) الأديب مولير، ونبغ في فن الهجويات (ساتير) الأديب المدقق بوالو، فهؤلاء من نوابغ العصر المذكور الذي بلغ اللسان فيه منتهى الفصاحة والبلاغة، ومن أحسن مؤلفات بيير قورنيل رواية السيد، والكلمة عربية لقب بها أحد أبطال الإسبانيين في القرن الحادي عشر للميلاد، وبيان ذلك: أن العرب بعد استيلائهم على جزيرة الأندلس
16
التجأت بقية السيوف من القوط إلى جبال أستوريا، وتحصنوا فيها ولموا شعثهم وشكلوا حكومات، وإمارات صغيرة فلم يعبأ بهم العرب وحسبوهم من قطاع الطرق المتشردين في الجبال، وتشاغلوا عنهم بإعمار تلك السهول وتمنعوا برياضها الغناء، فمن الإمارات التي أسسها القوط في شمال الأندلس أستورية، وليون، وقشتالة، وكان المالك عليها في ابتداء القرن الحادي عشر للميلاد فرديناند الأول فأوصى بتقسيم الملك بعد وفاته بين أولاده ، فكان ابنه ألفونس السادس على ليون الإسبانية، وابنه الثاني سانش على قشتالة، فالسيد صاحب الرواية ولد سنة 103 وسمي رودريك، وكان أبوه الدون ديغوا من أشراف القوط فأدخله في سراي فرديناند الأول، وبعد وفاته دخل في خدمة ابنه سانش، ولما اقتتل الأخوان وانهزم سانش في إحدى المواقع قوى السيد عزمه، وأشار عليه بالمشورات الحسنة فاتبع رأيه، وانتصر على أخيه وحبسه وتفرد بالملك على ليون وقشتالة، فكان السيد له نديما ووزيرا وناصحا ومشيرا، ثم حدثت فتنة وقتل سانش في محاصرة زامورة وخلفه أخوه ألفونس السادس، فأمن السيد وأقسم له الأيمان المغلظة بأنه لا مدخل له في قتل أخيه سانش، وقربه منه وزوجه بواحدة من قريباته، وكانت على رواية التاريخ عجوزا شنعاء، ولم يتزوجها السيد إلا طمعا في مالها. وبعد أن تم الأمر لألفونس السادس وأمن غوائل الرقباء فعل بالسيد ما يفعله المستبدون من الملوك، وصادره وأراد الفتك به ففر من ملكه إلى الحدود الإسلامية، وعمر قلعة بالقرب من سرقسطة (ساراغوس) بين دارقة والقنيز، ولم يزل أثر تلك القلعة على صخرة عالية تسمى صخرة السيد كما تنسب الصخرة التي في رونسيفو؛ أي في مدخل جبال البيرينة إلى رولان.
واستقل السيد بحكمه في تلك القلعة، وكان يتعيش هو ورجاله من النهب والغارة على القرى المجاورة، ومن قطع الطرق على القوافل الإسلامية والمسيحية، فاشتهر خبره وتحدثت الركبان بشجاعته ثم اتفق مع أمير سرقسطة وأمير البراسين، وهما من أمراء المسلمين، وقاتل معهما أمير أراغون المسيحي، وحارب كذلك عسكر ألفونس السادس والمتفقين معه من أمراء المسلمين؛ لأنهم كانوا متفرقي الكلمة يقاتل بعضهم بعضا، فجاءهم يوسف بن تاشفين بعساكر المرابطين من إفريقية ووحد كلمة الإسلام في عموم جزيرة الأندلس مع أنه كان أميا بربريا، فوقف السيد أمام المرابطين ودفع هجماتهم عن بلنسية، ولم يمكنهم من الاستيلاء عليها إلا بعد وفاته في سنة 1099م. فتحدث القريب والبعيد بشجاعة السيد وثبات عزمه وطار له ذكر بين الفرسان، ونظمت فيه القصائد العنترية أو الهلالية بلسان رومان، ثم جاء قورنيل ونظم فيه روايته المشهورة بدون التفات للتاريخ ولا تعمق فيه، بل نسج على منوال القصائد الرومانية وتخيل فيها تخيلاته الشعرية، وجعل تلك المرأة التي تزوجها السيد بديعة الحسن والجمال، ولما عشقها وعشقته اتفق أن والدها أهان والده، فانقض عليه السيد وقتله، وتمكن من تسليط إرادته على عشقه، أما اسم السيد فأطلق عليه حينما كان متفقا مع أمير سرقسطة وأمير البراسين وحارب معهما، ولم نتعمق في التاريخ لنفهم هل دخل السيد في الإسلام أم لا، ومن أبيات قورنيل في روايته المذكورة قوله: «كلاهما سمياك سيدهما بحضوري؛ لأن السيد بلسانهم تعادل كلمة سنيور.»
অজানা পৃষ্ঠা