وفي هذه السنة - سنة 16ه - حدث حريق بالبصرة فخافوا الحريق مرة أخرى فاستأذنوا الخليفة في البناء باللبن، فأذن لهم وكتب إليهم يقول: «افعلوا، ولا يزيدن أحدكم على ثلاثة أبيات، ولا تطاولوا في البنيان، والزموا السنة تلزمكم الدولة»، فخططوا المناهج والشوارع، وجعلوا المدينة خططا بحسب القبائل لكل قبيلة خط، وجعلوا عرض شارعها الأعظم ستين ذراعا وعرض ما سواه عشرين ذراعا، وجعلوا عرض كل زقاق سبعة أذرع، ووسط كل خط رحبة فسيحة لمرابط خيولهم، وتلاصقوا بالمنازل، وأول شيء بني فيها مسجدها ووضعوه في الوسط بحيث تتفرع الشوارع منه،
16
ولما أذن عمر ببنائها باللبن ساق إليها جماعات كبيرة من أشراف العرب من أهل البادية، وأسكنهم فيها، وكان على تنزيلها أبو الحرباء عاصم بن دلف.
17 (7) البصرة في عهد الخلفاء الراشدين
لما تم فتح العراق بعد سقوط المدائن عاصمة الفرس على يد القائد الإسلامي سعد بن أبي وقاص في سنة 16ه الموافقة لسنة 637م؛ رتب الخليفة الثاني عمر بن الخطاب العمال، وقدر رواتبهم، وأقر أبا موسى الأشعري على ولاية البصرة، وجعل له ستمائة درهم في الشهر، ووجه شريح بن الحارث على قضاء البصرة، وأجرى عليه مائة درهم وعشرة أجربة في الشهر.
18
وكتب إلى أبي موسى الأشعري بإبقاء الخراج بالمساحة باعتبار الجريب كما كان في أيام الفرس؛ على الجريب من الحنطة قفيز ودرهم - أو أربعة دراهم - وعلى الشعير درهمين، وعلى الجريب من النخل ثمانية دراهم، ومن الكرم - العنب - عشرة دراهم، ومن القصب ستة دراهم، ومن الرطبة خمسة دراهم، سواء زرعت الأرض أم تركت - والجريب 3600 ذراع مربع، والقفيز عشر الجريب - أما الأراضي التي كانت للدولة الفارسية المنقرضة وهي التي صارت ملكا للدولة الإسلامية؛ فإنه وضع عليها العشر كما وضع المكس على التجارة.
وأبقى الجزية على أهل الذمة كما كانت في عهد الفرس باعتبار درجات الناس ومقدرتهم، واستثنى نصارى العرب منها، وجعل عليهم الزكاة كالمسلمين؛ لأنهم نصروا جيوشه.
وبعد أن كان موضع البصرة معسكرا للجيش الإسلامي تقيم فيه العرب مع نسائهم وأولادهم كما يقيم جيش الاحتلال في هذا العصر؛ صار ذلك الموضع مدينة كبيرة ذات أسواق واسعة وبيوت فخمة، وسميت بهذا الاسم «البصرة» لأنها بنيت على أرض غليظة ذات حجارة رخوة بيضاء - إذ تسمي العرب مثل هذه الأرض البصرة - وأخذت عمارتها تزداد يوما فيوما منذ أيام عمر بن الخطاب.
ولما قتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب في أواخر سنة 23ه الموافقة لسنة 644م، وتولى بعده عثمان بن عفان؛ أقر أبا موسى الأشعري على البصرة، ثم عزله في سنة 29ه وولاها عبد الله بن عامر بن كريز - وهو ابن خال عثمان - وكان حدث السن،
অজানা পৃষ্ঠা