تولى أحمد باشا البصرة، فحدث في أيامه طاعون شديد الوطأة، فمات به خلق كثير من البصريين، فاغتنم الأعراب فرصة انشغال البصريين وأميرهم بهذا المرض الفتاك، فاتفق أهل الجزائر والمنتفكيون على غزو البصرة ونهبها، فحمل عليها منهم ثلاثة آلاف فارس بقيادة أمير المنتفك الشيخ مانع، فبلغ ذلك أحمد باشا، فلم يتمكن من جمع جيش كاف لصدهم، فخرج لقتالهم بخمسمائة فارس، فالتقى بهم في الدير، فتقاتلوا ثلاثة أيام، فانجلت المعركة عن تمزيق جيش البصرة، ووقوع أحمد باشا قتيلا في المعركة.
واتصل خبر هذه الحادثة بالبصريين، فاتفقوا على تولية الكتخدا حسين أغا؛ ليقوم بصد الأعراب، فولوه عليهم، فجمع منهم جمعا كبيرا للدفاع، وبينما هو في ذلك إذ هجم الثائرون على المدينة، فوقف لصدهم، ودافع دفاع المستميت حتى تمكن من طردهم، ولكنه قتل بعد ذلك في سنة 1103ه، فاتفق البصريون على نصب حسين الجمال واليا عليهم، فقام بالأمر حتى وجهت الولاية إلى خليل باشا أخي والي بغداد أحمد باشا في سنة 1104ه، فجمع خليل باشا جيشا من بغداد، وجاءت إليه الجيوش نجدة من الموصل وشهرزور بأمر من السلطان لقتال أمير المنتفك مانع، فقاد الحملة بنفسه حتى التقى بمانع في الجزائر، وبعد حروب دامت خمسة أيام انكسرت جيوش خليل باشا، فاضطر إلى التقهقر، فاستولى الأمير مانع على معسكره، ونهب أمواله وذخائره، وتحصن خليل باشا في البصرة.
وقوي أمر مانع حتى اضطر السلطان إلى استمالته، وكتب إليه كتابا يدعوه فيه إلى الطاعة والخضوع، وينصحه ويحذره عاقبة الشقاق والخلاف، وأصدر أمره بزيادة مخصصاته؛ فخضع مانع لأمر السلطان، وعاد إلى مقره، وهدأت الأحوال.
استيلاء المنتفكيين على البصرة
لما صفا الجو لخليل باشا والي البصرة أطلق العنان لأعوانه، فاستبدوا بالأمور، وظلموا الأهلين واضطهدوهم على مرأى ومسمع منه حتى ضاق الحال بالبصريين، فاتفقوا على طرده، فثاروا عليه، وطردوه هو وأعوانه، وسلموا المدينة إلى أمير المنتفك الشيخ مانع، وذلك في سنة 1106ه، والظاهر أن الشيخ مانع هو الذي سبب هذه الثورة؛ ليتسنى له الحكم بالبصرة.
وبقي الشيخ مانع أميرا على البصرة إلى سنة 1109ه منفردا بالحكم، والدولة العثمانية لا تبدي حراكا لضعفها، وكانت النتيجة أن خدع حاكم الحويزة فرج الله خان مانعا، واستعمل عليه الحيل والدسائس والخداع حتى أخرجه من البصرة ، فاستولى عليها. (5) دخول البصرة في قبضة الفرس وإخراجهم منها
استولى فرج الله خان حاكم الحويزة على البصرة كما ذكرنا، فلما استتب أمره فيها استخلف عليها أحد رجاله المدعو داود خان، فدخلت البصرة تحت سيادة الفرس.
وبلغ خبر استيلاء فرج الله خان على البصرة إلى السلطان، فلم يشأ أن يتركها له وهو من ولاة الفرس المستقلين في تلك الجهات، فوجه ولاية البصرة إلى والي حلب علي باشا، وأمره بجمع العساكر من البلاد لقتاله وإخراجه من البصرة، فاجتمعت الجيوش من حلب وديار بكر والموصل وسيواس وبغداد حتى بلغ عدد الجيش نحو الخمسين ألفا على ما نقل، فسار علي باشا بالجيوش حتى وصل القورنة في سنة 1111ه، فسمع داود خان بقدوم هذا الجيش الكبير فانهزم من البصرة، فدخلها علي باشا بدون قتال، فدانت له المدينة وما يتبعها من القرى والقبائل، فساد الأمن والسكون، وعادت البصرة إلى الدولة العثمانية بعد أن ملكها حاكم الحويزة الفارسي نحوا من سنتين. (6) استيلاء المنتفكيين على البصرة ثانية وطردهم منها
دخلت سنة 1114ه، فوجهت ولاية البصرة إلى محمد باشا القبودان، فدام حكمه فيها إلى سنة 1118ه، فعزل، وأرسل بدله الوزير خليل باشا، فثار في أيامه - في سنة 1120ه - أمير المنتفك الشيخ مغامس، وهجم على البصرة، فاستولى عليها عنوة، فاضطربت الأحوال، وفقد الأمن، وسادت الفوضى، فبلغ ذلك السلطان، فأصدر أمره إلى والي بغداد حسين باشا بتجميع الجيوش وإخراج الأعراب من البصرة، فصدع الوالي بالأمر، وجاءته النجدات بأمر من السلطان من حلب والموصل وديار بكر وشهرزور، حتى اجتمع عنده جيش كبير، فسار به قاصدا البصرة.
واتصل خبر هذه الحملة بمغامس فجمع الجموع من المنتفكيين والنجديين، واستعد للحرب، وبنى قلعة كبيرة على نهر عنتر في القورنة حشد فيها جموعه، فوصله الجيش العثماني فأحاط به من كل الجهات، فدارت بين الطرفين حرب هائلة انتهت بهزيمة أمير المنتفك في سنة 1121ه، فاحتل حسين باشا القورنة، ثم توجه إلى البصرة فدخلها ظافرا، فوجهت ولايتها إلى كتخدا بغداد مصطفى أغا، وبعد أن نظم حسين باشا شئون البصرة، وجعل عليها حامية عاد إلى بغداد، وعادت الجيوش إلى أماكنها، وانتهت تلك الفتنة.
অজানা পৃষ্ঠা