وكانت الدولة السلجوقية يوم ذاك قد قويت، وفتح رجالها بلادا كثيرة محاددة لشرقي العراق في الوقت الذي كانت دولة بني بويه قد ازدادت ضعفا على ضعف، وانحل أمرها، وسئم الناس حكمها، وأصبحت عاجزة عن كل شيء، وكانت النتيجة أن طمع طغرل بك السلجوقي في العراق، فحمل على بغداد، فاستولى عليها في سنة 447ه وأسر الملك الرحيم؛ فانقرضت الدولة البويهية من العراق بعد أن ملكته مائة وثلاث عشرة سنة، وقامت على أنقاضها دولة بني سلجوق الأتراك. (10) البصرة في عهد السلجوقيين
فتح طغرل بك السلجوقي بغداد في سنة 447ه كما ذكرنا، فدانت له المدن العراقية في عهد الخليفة القائم بأمر الله، فوجه الولاة إلى البلاد، وولى في السنة نفسها على البصرة هزار أسب بن تكير بن عياض على أن يدفع له في كل سنة ثلاثمائة وستين ألف دينا - دينار ذلك العهد - فدخلت البصرة في ضمان هذا الأمير التركي، وهو أول وال سلجوقي عليها، وفي أيامه ثارت القبائل النازلة بين البصرة وواسط على الحكومة الجديدة، فأخضعهم هذا الأمير بالسيف.
وبقي هزار أسب على البصرة وتوابعها إلى سنة 451ه، فوجهت ولاية البصرة بالضمان إلى الأغر سابور بن المظفر، وتوفي طغرل بك سنة 455ه، فتولى الملك ابن أخيه ألب أرسلان بن داود، ثم تولى الملك بعده ابنه ملكشاه في سنة 465ه، فأعطيت البصرة بالضمان إلى علان اليهودي في سنة 469ه؛ لما لعلان من المنزلة الرفيعة عند الوزير نظام الملك الذي كان قابضا على زمام المملكة بيد من حديد، فجبى علان الأعشار والرسوم والضرائب من البصرة وعمالها نحو ثلاث سنوات، فمات في أواخر سنة 471ه بالبصرة، ومما يدل على علو منزلته في الدولة يومذاك أن السلطان ملكشاه لما بلغه موته حزن عليه، وانقطع عن الركب ثلاثة أيام، ولما ماتت أم علان قبله بأشهر مشى خلف جنازتها جميع البصريين إلا القاضي، فبلغ ذلك الوزير نظام الملك فعد عمل القاضي إهانة للحكومة ، فأغرمه ألف دينار وهي غرامة غريبة في بابها!
وعلى أثر موت علان اليهودي أعطيت البصرة بالضمان إلى خمارتكين التركي في أوائل سنة 472ه على أن يدفع إلى خزينة الدولة السلجوقية في كل عام مائة ألف دينار ومائة حصان.
وفي أيام ملكشاه توفي الخليفة القائم بأمر الله ببغداد في سنة 467ه، فبويع بالخلافة للمقتدي بالله. (11) غزو الأعراب البصرة واستيلاؤهم عليها
كانت البصرة قد أعطيت بالضمان إلى العميد بن عصمة في سنة 475ه بعد نسخ ضمان خمارتكين، فلما قامت الحروب بين السلجوقيين وضعفت الدولة طمع الأعراب بالبصرة، فغزاها بنو عامر النازلين في الأحساء، فحملوا عليها بعشرة آلاف فارس فأحاطوا بها في سنة 483ه في عهد السلطان ملكشاه، فخرج أميرها العميد فقاتلهم، فلما لم يكن عنده جيش يكفي لصدهم انسحب إلى نهر معقل، فبلغ البصريين انسحابه فخافوا على أنفسهم من القتل فتركوا أوطانهم، وفروا إلى بلاد أخرى، فدخلت بنو عامر البصرة، فنهبوا وخربوا وأحرقوا عدة مواضع، من جملتها مخزن الكتب التي أوقفها الوزير أبو منصور بن شاه مردان، وكان فيه على ما يروى عشرات الألوف من الكتب الثمينة، وخزانة الكتب التي أوقفها أبو الفرج بن أبي البقاء، وكان فيها على ما - قيل - خمسون ألف كتاب، وخربوا أوقاف البصرة، وظلوا ينهبون المدينة نهارا، ثم يخرجون منها ليلا فينهبها أصحاب ابن العميد ليلا، وبقي هذا الحال المريع أياما.
ولما بلغ خبر هذه الغارة إلى بغداد وجهت الحكومة سيف الدولة إلى طرد الأعراب من البصرة بأمر من السلطان ملكشاه، فسار سيف الدولة بجيش كبير فوجدهم قد خرجوا منها وفروا إلى جزيرة العرب، فمات السلطان ملكشاه في سنة 485ه، فقامت الحروب بين الأسرة المالكة حتى تم الأمر في السنة نفسها إلى السلطان بركيارق، فوجهت إمارة البصرة في سنة 493ه إلى الأمير قمباج، وفي أيام بركيارق توفي الخليفة المقتدي بالله ببغداد فجأة في سنة 487ه، فبويع بالخلافة لابنه المستظهر بالله، وكانت أيام بركيارق كلها فتن وحروب. (12) استبداد إسماعيل بن سلانجق بالبصرة وعصيانه فيها
بقي الأمير قمباج التركي على البصرة أشهرا، ثم استخلف عليها نائبا إسماعيل بن سلانجق التركي، فاستقام أمره فيها سنتين، ثم طمع بالملك فعصي واستقل في الوقت الذي كانت فيه الاضطرابات الداخلية متوالية في المملكة، وقد استبد أكثر العمال. فأوعزت الحكومة إلى مهذب الدولة بن أبي الخير صاحب البطيحة بقتال إسماعيل وطرده من البصرة، فسار مهذب الدولة ومعه معقل بن صدقة بن الحسين الأسدي صاحب الجزيرة الدبيسية يقود كل منهما جيشه، فالتقوا بإسماعيل فقتل معقل فانفل جيشه، فاضطر مهذب الدولة إلى الرجوع، وذلك في سنة 494ه.
وقوي أمر إسماعيل، وكثرت جموعه، واتسعت إمارته، وازداد قوة بالاختلاف الواقع بين السلاطين السلاجقة، فخفف الضرائب والرسوم عن أهل البصرة؛ ليجلب قلوبهم إليه، ثم راسل سيف الدولة وأظهر له أنه في طاعته. ثم حاول أخذ واسط ففشل، وفي أيامه حمل في سنة 495ه على البصرة أبو سعيد بن مضر صاحب عمان، فوصلت جيوشه شط العرب فقطعوا الطريق وقتلوا ونهبوا، ثم جرت مراسلات في الصلح بين أبي سعيد وبين إسماعيل فلم يتم الصلح، فحمل أبو سعيد على إسماعيل فاقتتل الجيشان فانكسرت عساكر إسماعيل، فاضطر إلى طلب الصلح فتوسط بينهما وكيل الخليفة؛ فتم الصلح على يده.
فلما استقر الأمر للسلطان محمد السلجوقي أراد أن يرسل إلى البصرة مقطعا يأخذها من إسماعيل، فخاطب في ذلك سيف الدولة صاحب الحلة حتى أقرت البصرة على سيف الدولة، فوجه السلطان عميدا إليها ليتولى ما يتعلق بالسلطان
অজানা পৃষ্ঠা