في ذكر المعاصرين لتلك الأجيال من أمم النّواحي، وملوك الأمصار والضّواحي، سالكا سبيل الاختصار والتّلخيص، مفتديا بالمرام السّهل من العويص، داخلا من باب الأسباب على العموم إلى الإخبار على الخصوص فاستوعب أخبار الخليقة استيعابا، وذلّل من الحكم النّافرة صعابا، وأعطى لحوادث الدّول عللا وأسبابا، فأصبح للحكمة صوانا. وللتّاريخ جرابا.
ولمّا كان مشتملا على أخبار العرب والبربر، من أهل المدن والوبر، والإلماع بمن عاصرهم من الدّول الكبر، وأفصح بالذّكرى والعبر، في مبتدإ الأحوال ومما بعدها من الخبر، سمّيته كتاب العبر، وديوان المبتدإ والخبر، في أيّام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السّلطان الأكبر، ولم أترك شيئا في أوّليّة الأجيال والدّول، وتعاصر الأمم الأول، وأسباب التّصرّف والحول، في القرون الخالية والملل، وما يعرض في العمران من دولة وملّة، ومدينة وحلّة [١]، وعزّة وذلّة، وكثرة وقلّة، وعلم وصناعة، وكسب وإضاعة، وأحوال متقلّبة مشاعة، وبدو وحضر، وواقع ومنتظر، إلّا واستوعبت جمله، وأوضحت براهينه وعلله، فجاء هذا الكتاب فذّا بما ضمّنته من العلوم الغريبة، والحكم المحجوبة القريبة، وأنا من بعدها موقن بالقصور، بين أهل العصور، معترف بالعجز عن المضاء، في مثل هذا القضاء [٢]، راغب من أهل اليد البيضاء، والمعارف المتّسعة الفضاء، في النّظر بعين الانتقاد لا بعين الارتضاء، والتّغمّد [٣] لما يعثرون عليه بالإصلاح والإغضاء، فالبضاعة بين أهل العلم مزجاة، والاعتراف من اللّوم منجاة، والحسنى من الإخوان مرتجاة، والله اسأل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وهو حسبي ونعم الوكيل.
وبعد أن استوفيت علاجه، وأنرت مشكاته للمستبصرين وأذكيت سراجه،
_________
[١] الحلة، القرية مجازا، ومعناها في الأصل، القوم النازلون في مكان ما.
[٢] بمعنى، هذه القضايا.
[٣] تغمده: ستر ما كان منه.
1 / 10