المقدمة في فضل علم التّاريخ وتحقيق مذاهبه والالماع لما يعرض للمؤرخين من المغالط وذكر شيء من أسبابها
اعلم أنّ فنّ التّأريخ فنّ عزيز المذهب جمّ الفوائد شريف الغاية إذ هو يوقفنا [١] على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم. والأنبياء في سيرهم. والملوك في دولهم وسياستهم. حتّى تتمّ فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدّين والدّنيا فهو محتاج إلى مآخذ متعدّدة ومعارف متنوّعة وحسن نظر وتثبّت يفضيان بصاحبهما إلى الحقّ وينكّبان به عن المزلّات والمغالط لأنّ الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرّد النّقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السّياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنسانيّ ولا قيس الغائب منها بالشّاهد والحاضر بالذّاهب فربّما لم يؤمن فيها من العثور ومزلّة القدم والحيد عن جادّة الصّدق وكثيرا ما وقع للمؤرّخين والمفسّرين وأئمّة النّقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرّد النّقل غثّا أو سمينا ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النّظر والبصيرة في الأخبار فضلّوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط ولا سيّما في إحصاء الأعداد من الأموال والعساكر إذا عرضت في الحكايات إذ هي مظنّة الكذب ومطيّة الهذر ولا بدّ من ردّها إلى الأصول وعرضها على القواعد.
_________
[١] بمعنى يطلعنا، وهي لغة ضعيفة.
1 / 13