তারাজিম মিসরিয়া ওয়া ঘারবিয়া

মুহাম্মদ হুসাইন হায়কাল d. 1375 AH
48

তারাজিম মিসরিয়া ওয়া ঘারবিয়া

تراجم مصرية وغربية

জনগুলি

بيني وبينك خطوة

إن تخطها فرجت عني

كان يصدق عليه خلال هذه السنوات الخمس الصدق كله.

وقد خطا إليه الموت هذه الخطوة في منتصب ليل 20 مارس سنة 1923، وقضى يومئذ متحملا معه مدرسة حافلة من مدارس الشعر ومذهبا جليلا من مذاهب تقدير الجمال، قضى وخلف بعده من أثره مجموعة أشعار لم تطبع بعد لأنه كان يقول إنه وهب شعره للنسيان، وتلك هبة لن تتم، فالنسيان لا يتطرق إلى الكمال ولا يعدو على الجمال؛ لذلك نشر من شعره الشيء الكثير وحفظ أصحابه ما لم ينشر، ولعلنا نسعد برؤية مجموعة شعره مطبوعة عما قريب.

محمود باشا سليمان

... وهذا أيضا محمود سليمان باشا قد مات، فأضاف حلقة إلى سلسلة عظماء مصر الذين ودعوا عالمنا في السنتين الماضيتين.

1

لكنه ودعه على صورة غير تلك التي ودعوه عليها، هم كانوا بين مجاهد تحفزه قوى الشباب للجهاد، وآخر بعض طبعه الكفاح، وثالث اضطر لاعتزال الناس اضطرارا، أما هو فجاهد لخير وطنه في شبابه، ثم جاهد له في كهولته، ثم جاهد له وقد نيف على التسعين، وبعد اعتزامه الانقطاع إلى الله وعبادته، فلما دب الخلاف بين المصريين واندلع لهيب الفتنة في البلاد نأى عن الفتنة مختارا وعكف على ما اعتاد من عبادة وتقوى، وظل في تقواه وفي عبادته ينتظر بقلب مطمئن ونفس هادئة اليوم الذي يختاره الله فيه إلى جواره، فلما كان عصر يوم الثلاثاء الماضي أغمض عينه عن عالمنا هذا ليفتحها هناك في العالم الذي قضى سنيه الطويلة يرجوه، عالم أجر وسعادة لا يعرفان الزمان ولا المكان لأنهما يسموان على كل زمان ومكان.

وليس كثيرين من أبناء هذا الجيل من يذكرون شخص محمود باشا سليمان، وإن كانت أجيال مصر المتعاقبة، وكان تاريخ مصر يذكره أطيب الذكر، وليس كثيرون من يذكرون هذا الرجل المهيب في وقاره النحيف في جسمه الطويل القامة في اعتدال، الحاد النظرات الأسمر اللون الجليل المشيب، ولئن كانت قد مضت سنوات لم أره فيها، فإني ما أزال أذكر أول مرة رأيته ، وكنت ما أزال طالبا بالحقوق، وكنت أتردد على دار «الجريدة» عند أستاذنا لطفي بك السيد، فبينا أنا هناك في أحد أيام ربيع سنة 1908 دخل محمود باشا سليمان فحياه الحاضرون في إجلال واحترام وقدمني له لطفي بك، وأشهد لقد جلست وفي نفسي شيء من الرهبة أمام هذا الشيخ الذي يحمل طي تجاعيد وجهه صحفا مجيدة من تاريخ مصر، جلست وجعلت أحاول أن أختلس - في نظرات يداخلها الحياء والخوف - صورة رئيس حزب الأمة آتيا يتحدث إلى كاتب حزب الأمة، وانتظرت أن يتكلم، فمضت لحظات خلتها طويلة وخلت معها أن وجودي قد يحول دون الشيخ والكلام، فاستأذنت وانصرفت، ولم أره بعد ذلك غير مرات قليلة كانت الأخيرة منها حين كان رئيسا للجنة الوفد المركزية وحين كانت تتعلق باسمه آمال الوفد المصري في أوربا، وآمال المصريين في مصر.

هذا الرجل قد غادرنا بعد أن طوى رحلة الحياة في أناة وتؤدة ووقار، وانتقل منها في مثل هذه التؤدة والأناة والوقار إلى جوار ربه وما يرجو من حسن ثوابه، غادرنا بعد إذ خلف وراءه تاريخا حافلا جليلا وذكرا لا تشوب سواطع نوره شارة من ظلام؛ فلقد وهب هذا الرجل حياته كلها لله ولوطنه ولأبنائه، كان في عهد إسماعيل باشا الخديو رجلا كاملا مسموع الرأي نافذ الكلمة، ترك عمدية بلده ساحل سليم ونظارة القسم التي تتبعه إلى وظائف وكيل مديرية في جرجا وفي أسيوط، فلما صدر القانون النظامي بعقد مجلس النواب في عهد توفيق باشا تقدم للنيابة عن الأمة وانتخب عضوا بمجلس النواب وألقي عليه أن يلقي خطاب العرش، وكان له في هذا المجلس مواقف يذكرها له التاريخ.

অজানা পৃষ্ঠা