তারাজিম মিসরিয়া ওয়া ঘারবিয়া
تراجم مصرية وغربية
জনগুলি
وكان هذان الرجلان - رجل الدعوة إلى المثل الأعلى ورجل السياسة والسلم - خصمين في أكثر الظروف، وكانت الجماهير بطبيعتها نصيرة أبدا للمثل الأعلى لأنه غذاؤها في الحياة بل هو ذاته حياتها، أما السياسي الذي يزن القوى ويفاضلها ويعمل للوصول إلى خير ما يمكن أن تصل إليه بلاده فالحوادث اللاحقة هي التي تحكم عليه أو له، ولقد كان بطرس باشا غالي سياسيا، وكان من أكثر المصريين اتصالا بحوادث عصره من ناحيتها السياسية، فلنجعل للحوادث وحدها الحكم عليه، ولتكن كلمة التاريخ كلمة حق وإنصاف. •••
ولد بطرس غالي بالقاهرة في 12 مايو سنة 1846 وتلقى دراسته الأولى في مدرسة حارة السقايين التي أنشأها الأنبا كيرلس الرابع الملقب عند الأقباط بأبي الإصلاح، وبعد ثماني سنوات أمضاها في هذه المدرسة انتقل إلى مدرسة مصطفى فاضل باشا، وكان له من الصلة بها أن والده غالي بك نيروز كان يشتغل في دائرة مصطفى فاضل، فلما تخرج منها اشتغل مدرسا بمدرسة حارة السقايين وظل مع ذلك يتلقى علوم الترجمة في مدرسة الترجمة التي أنشأها المرحوم رفاعة باشا.
وكان في أثناء دراسته مثلا للذكاء ولقوة الذاكرة المنقطعة النظير، كان يكفيه أن يقرأ ما يدرس له مرتين أو ثلاث مرات ليستظهره استظهارا تاما، ويسرت له قوة ذاكرته العلم باللغات المختلفة، فقد أتقن العربية والفرنسية والتركية والفارسية، وهاتان اللغتان الأخيرتان أتقنهما على أحد تجار خان الخليلي، إذ كان يتلقى عليه مقابل دفع (شبرقته) له، ثم إنه تعلم اللغة القبطية بعد الثلاثين من سنه لمناسبة تدل - إلى جانب قوة الذاكرة - على قوة في الإرادة امتاز بها، ذلك أنه سافر إلى إنجلترا فقابله أحد العلماء العارفين باللغة القبطية، ولما علم أنه قبطي كلمه بها فلم يجبه، ولكنه لم يلبث بعد أن عاد إلى مصر أن أكب على دراستها، فلم تمض ستة أشهر حتى كتب لصاحبه العالم الإنجليزي خطابا بها.
وأعانه في الحياة إلى جانب ذكائه وقوة ذاكرته ومضاء إرادته صحة متينة كان يدل عليها طول قامته وعضله المفتول، كما كان بريق عينيه بريقا عجيبا يدل على ذكائه وحيلته؛ لذلك لم يكد يتخطى أوليات الشباب حتى عرفه أولو الأمر يومئذ وعهدوا إليه بأعمال ذات خطر ومسئولية، فقد دخل في مسابقة حين كان مدرسا بمدرسة حارة السقايين انتقل بها إلى وظيفة كاتب بمجلس تجار الإسكندرية الذي حلت المحكمة المختلطة بعد ذلك محله، وجعل يرتقي من وظيفته هذه حتى صار رئيس كتاب المجلس الذي حكم سنة 1873 في قضية ضد مصلحة أحد المحسوبين على إسماعيل باشا المفتش، وإذ كان مجلس التجار تابعا لنظارة الداخلية؛ فقد أوصل المفتش الأمر إلى ناظرها شريف باشا وأبلغه أن بطرس غالي كان صاحب اليد في إصدار ذلك الحكم الجائر، فدعا الناظر بطرس إليه فأعجبته مناقشته كما أعجب بمعرفته للغات؛ ولذلك نقله من عمله وعينه رئيسا لكتاب نظارة الحقانية التي كلف شريف بإنشائها استعدادا لتطبيق نظام الإصلاح القضائي الجديد.
وكانت سنة 1874 سنة نشاط كبير في الحقانية بسبب التحضير لإنشاء المحاكم المختلطة، وكان المغفور له محمد قدري باشا مشتغلا بترجمة قوانين هذه المحاكم إلى اللغة العربية، فانضم إليه بطرس وعني وإياه بتعريب التشريع الذي ما يزال أكثره ساريا في مصر إلى الوقت الحاضر.
وأتاح له الاشتغال في التحضير للمحاكم المختلطة التعرف إلى رئيس النظار نوبار باشا، فكان اتصاله به ذا أثر كبير في تكوينه السياسي، وما فتئ هذا الاتصال بينهما وثيقا مستمرا داعيا إلى ثقة نوبار بباشكاتب الحقانية، حتى كان هو أول من اختاره ليكون ناظرا للخارجية في وزارته التي ألفها سنة 1895 بعد أن اختاره رياض باشا قبل ذلك ومنذ سنة 1893 ليكون ناظرا للمالية.
ويرجع اختيار رياض باشا إياه لوزارة المالية إلى سبب خاص، ذلك أنه لما انتهت الحكومة المصرية من إنشاء المحاكم المختلطة في سنة 1875 كانت على أبواب الضائقة المالية التي جرتها إليها الاستدانة الفادحة منذ أول حكم إسماعيل باشا في سنة 1863، ففي سنة 1876 صدر القانون بتأليف صندوق الدين وبتعيين المراقبين الماليين، لكن هذا القانون لم يخفف من وطأة الديون شيئا ولم يرفع من الضغط على دافعي الضرائب وإرهاقهم بأقسى وسائل الإرهاق وأبعدها عن كل معاني الإنسانية، ثم استيلاء صندوق الدين على كل ما كان يحصل، حتى اضطرت الحكومة إلى عدم دفع مرتبات الموظفين بما جعل أحد الإنجليز الموظفين فيها يومئذ يكتب في مذكراته أنه قضى يومين لم يدخل فمه فيهما طعام لإعوازه إلى كل ما يسد به رمقه، وإذا كان الدائنون الأجانب مع ذلك مصرين على اقتضاء مصر كل تعهدات ولي نعمتها، فقد انتهوا إلى الاتفاق على تشكيل لجنة للفحص ثم لتصفية ديون مصر، وعين رياض باشا نائبا عن الحكومة المصرية في اللجنة المذكورة وعين بطرس بك غالي السكرتير العام لنظارة الحقانية مساعدا له، ثم عين رياض رئيسا للجنة، وعهد إلى بطرس بالنيابة عن الحكومة، وفي ذلك الظرف الدقيق اضطر إلى أن يدرس من مباحث اللجنة ومن الشئون المالية ما مكنه من أن يضع تقريرا عن نظام الضرائب في مصر كان بعد ذلك مرجعا ينقل عنه وحجة يعتمد عليها.
ولما انتهت الحوادث التي تلت تقرير لجنة المالية إلى إقصاء إسماعيل باشا عن العرش فخلفه توفيق فيه كانت الحكومة قد بدأت تفكر في إلغاء المجالس القضائية القديمة وفي إنشاء نظام قضائي جديد هو النظام القائم الآن، وإذ كان بطرس ممن عملوا في التشريع للقضاء المختلط فكان طبيعيا أن يكون على رأس الذين يعملون للتشريع للقضاء الأهلي؛ لذلك عين في سنة 1881 وكيلا للحقانية وألقي عليه عبء تنفيذ النظام القضائي الجديد.
وإلى يومئذ كانت مناصب الحكم في أعمال الدولة لا يليها إلا المسلمون، فأما الأقباط فكانوا يلون وظائف إنجاز أعمال الحكومة، فكانت المناصب الكتابية وما إليها مفتوحة وحدها أمامهم، فأما القضاء وإدارة الأعمال فكانت وقفا على أبناء الأغلبية الدينية في البلاد ، ويسير تفسير هذا التقسيم في ذلك الظرف الذي كان الحكم فيه للأتراك والذي كان الحاكم فيه تابعا لدولة الخلافة الإسلامية، على أن بطرس غالي رأى في ذلك منافاة لروح الزمن، وبخاصة في عصر بدأت مصر تنقل فيه النظم الأوربية بإنشاء المحاكم المختلطة وبخضوع المصريين لقضاء جماعة لا يختلفون عنهم في الدين فقط، بل في الجنسية وفي اللغة أيضا؛ لهذا عين حين وجوده في الحقانية عددا من الأقباط في وظائف القضاء، ولعل هذا التصرف وما إليه من مثله هو ما دعا جماعة من الذين خاصموه في أثناء حياته لاتهامه بالتحيز لأهل طائفته.
وبقي في وكالة الحقانية حتى عين ناظرا للمالية في سنة 1893، على أن أحوال مصر السياسية تغيرت في هذه الفترة تغيرا كبيرا كان لبطرس بك غالي رأي فيه معروف، ذلك أنه لما حدثت الثورة العرابية وانتهت إلى تدخل الإنجليز وهزيمة العرابيين في التل الكبير وتشاورهم في الأمر كان من رأي بطرس أن يلتمسوا عفو الخديو وأن يركنوا إليه، وقد أوفده القوم يومئذ بعريضة إلى الخديو توفيق فيها هذا المعنى، ومع أنه لم يظهر له عمل مباشر في الثورة، مما يدل على أنه لم يكن من المطمئنين إليها، فإن التجاء العرابيين إليه يدل على أنه كان موضع عناية الخديو توفيق وعطفه كما يدل من جهة أخرى على أن ذكاءه وفطنته السياسية كانا موضع تقدير الذين التجأوا إليه ورأوا فيه خير واسطة للتفاهم بينهم وبين الحاكم الذي ثاروا عليه.
অজানা পৃষ্ঠা