তারাজিম মিসরিয়া ওয়া ঘারবিয়া
تراجم مصرية وغربية
জনগুলি
ثم عاد إلى مصر بعد أن أتم بها دراسته.
وكان عباس الأول والي مصر يومئذ، وقد حدث خلاف بينه وبين أفراد العائلة ومن بينهم سعيد باشا على اقتسام التركة، فذهبوا إلى الأستانة يحتكمون إلى جلالة السلطان، وفض السلطان النزاع بأن أوفد اثنين من رجاله إلى مصر سويا الخلاف، وعاد أفراد العائلة العلوية خلا إسماعيل الذي ظل بالأستانة وعين فيها عضوا بمجلس أحكام الدولة العلية.
وفي سنة 1854 تولى سعيد باشا أريكة مصر خلفا لعباس الأول، فاستقدم إسماعيل وجعله على رئاسة مجلس أحكام مصر في مثل وظيفته التي كان يشغلها بالأستانة، ولم يكن إسماعيل يومئذ وليا للعهد، بل كان أخوه أحمد أكبر رجال العائلة، وكان بذلك صاحب عرشها بعد سعيد، لكن أحمد توفي وآلت ولاية العهد لإسماعيل، من يومئذ جعل سعيد يخشى وجوده على مقربة منه فجعل يوفده في مهمات خاصة إلى البابا وإلى نابليون الثالث وإلى الباب العالي بالأستانة، وفي سنة 1861 نشبت فتنة بالسودان فبعث به على رأس أربعة عشر ألف مقاتل لقمعها، ونجح إسماعيل في ذلك وعاد وله في أعين الشعب مقام كريم، ولما توفي أخوه أحمد وآلت إليه ولاية العهد ساءت العلاقة بينه وبين عمه الوالي إلى حد أنه لما توفي سعيد باشا في 18 يناير سنة 1863 ونودي به واليا مكانه حدد للتشريفات بالقاهرة نفس الساعة التي كانت محددة لسير جنازة سعيد بالإسكندرية، فلم يحتفل بالدفن احتفالا رسميا ولم يحفل بالمشهد أحد.
وقد انتعشت النفوس بأكبر الآمال لأول ولاية إسماعيل باشا الحكم، أن كان الناس في سعة بسبب انتظام جباية الضرائب أيام سعيد وارتفاع أسعار القطن ارتفاعا عظيما ترتب على حروب الانفصال بين شمال الولايات المتحدة وجنوبها، وأن أبدى إسماعيل من الحرص على حضارة مصر وإصلاحها ما جعل الرجاء في المستقبل عظيما، وكان أول ما صنعه إسماعيل مما استراحت له النفوس أن نشر في الناس على أثر ارتقائه العرش برنامجا خلابا كله المبادئ الحرة والوعود المغرية بخير الأمل والإصلاحات الواسعة على أحدث النظم الأوربية، وفي هذا البرنامج وعد بإلغاء السخرة والرقيق والاتجار به، وبإصدار قوانين خاصة بالتعليم وبتحديد مخصصات والي مصر، وتوقع الناس أن ينفذ هذا البرنامج وأن تخطو مصر الخطى الواسعة التي تترتب حتما على تنفيذه لما بدا على إسماعيل بعد عودته من دراسته بأوربا ومن سياحاته الكثيرة فيها من الحرص على تنمية ثروته الخاصة، وزاد الناس رجاء في ذلك ما كانت عليه حال البلاد إجمالا من الانتظام والطمأنينة.
لكن إسماعيل حرص - إلى جانب نشر هذا البرنامج - على نشر حالة الخزانة المالية وبخاصة فيما يتعلق بالديون التي خلفها سلفه سعيد باشا، ومع أن هذه الديون لم تكن تزيد في التقديرات الرسمية التي عرفت إلى حين موت سعيد على أربعة ملايين من الجنيهات، فقد ظهرت في البيان الذي نشرته حكومة إسماعيل باشا أحد عشر مليونا ومائة وستين ألفا من الجنيهات، والسبب في نشر هذا البيان ليس مجرد الحرص على تحديد ما للدولة وما عليها، فمثل هذا الحرص لم يكن معروفا في ذلك الوقت، وإنما السبب أن إسماعيل باشا كان يرى ما يقتضيه تنفيذ برنامجه العظيم من طائل النفقات مما لا سبيل إلى الحصول عليه من غير طريق الاقتراض؛ لذلك أراد أن يبين للناس وللأوربيين خاصة أن سلفه الذي لم يصنع شيئا لحضارة مصر أكثر من هذا الجيش الذي اختاره من طوال القامات، والذي كان يصحبه أنى ذهب، هو الذي بدأ سنة الاقتراض وهو الذي اقترض هذا المبلغ العظيم من غير فائدة للبلاد.
والواقع أن مطامع إسماعيل كانت عظيمة تنوء بها موارد مصر، فقد أراد أن يصل إلى ما رمى إليه جده محمد علي من استقلال البلاد، لكنه كان يعلم أن تحقيق ذلك بالسيف غير ميسور، وأنه على كل حال عرضة لأن يصطدم من معارضة أوربا بما اصطدمت به انتصارات مصر أيام جده، وكان يعلم كذلك ما للرشوة من أثر في وزراء الباب العالي، فإذا هو سخا بيده استطاع أن يحصل على هذا الاستقلال شيئا فشيئا، ثم إنه رأى من جهة ثالثة أن لا سبيل للحصول على المال اللازم لهذه الغاية ولسداد أطماعه وشهواته إلا أن يظهر أمام أوربا حاكما غربيا يريد الإصلاح بالفعل، فنشر البرنامج المشار إليه ونشر قائمة بديون سعيد، وأبدى من مظاهر العطف الإنساني على رعاياه ما جلب إليه أنظار أوربا، من ذلك أنه لم يوافق على الاستمرار في تنفيذ اتفاقية قناة السويس التي عقدت في عهد سلفه سعيد باشا بينه وبين المسيو فردينان دلسبس، لأنه رأى شروطها قاسية بالنسبة لمصر وبالنسبة للعمال المصريين الذين كانوا يرهقون في حفر القناة أشد إرهاق، يسامون الخسف ويضربون بالكرابيج ويطعمون الزقوم، ويكادون لا يقتضون عن عملهم أجرا، ولما استحر الخلاف بين إسماعيل وشركة القنال ارتضى الطرفان تحكيم نابليون الثالث.
ولسنا نستطيع أن نفهم هذا التحكيم إلا على أنه نوع من الكبرياء والغرور، فنابليون الثالث إمبراطور فرنسا، وشركة القنال على صفتها الدولية كانت ما تزال في كل مظاهرها شركة فرنسية تعني إمبراطور فرنسا حمايتها، فتحكيمه مع ذلك نوع من الكبرياء والغرور معناه أنه لا يجوز لغير رأس من أكبر الرءوس المتوجة أن تنظر في خلاف بين إسماعيل والشركة الدولية العالمية، وانتهى التحكيم بإلزام مصر بأن تدفع للشركة تعويضا عن عدم تنفيذ شروط الاتفاق أربعة وثمانين مليونا من الفرنكات، أي ثلاثة ملايين وثلاثمائة وستين ألفا من الجنيهات، فإذا أضيفت نفقات الدعوى وما قامت به الحكومة المصرية من أعمال النشر والإذاعة وما كان يتقاضاه القائمون بهذه الأعمال من باهظ النفقات لم يكن غلوا تقدير ما خسرته مصر في هذه الحركة بأربعة ملايين من الجنيهات.
وبعد زمن وجيز من ولايته الحكم جاء جلالة السلطان عبد العزيز إلى مصر ومعه الصدر الأعظم فؤاد باشا، فكانت هذه أول فرصة عرضت لإسماعيل كي ينفذ ما جال بخاطره كوسيلة لبلوغ الغاية التي صبا إليها من قبل جده محمد علي، ولم يكفه ما أقامه لجلالة السلطان من أعياد فاقت في الفخامة كل ما يتصوره خيال السلطان الشرقي، بل نفح الصدر الأعظم بمبلغ زهيد مقابل الخدم التي أداها أو يمكن أن يؤديها لبقاء علاقات المودة والصفاء بين والي مصر وجلالة السلطان، هذا المبلغ الزهيد هو ستون ألفا من الجنيهات.
على أن تباشير الخير التي جعلت المصريين يستقبلون ارتقاء إسماعيل العرش بالبشر والتهليل لم تدم طويلا، فقد انتهت حرب الانفصال بين شمال الولايات المتحدة وجنوبها وعادت أسعار القطن فانحدرت من ستة عشر جنيها للقنطار إلى ثلاثة جنيهات أو ثلاثة جنيهات ونصف الجنيه، وفتكت بالزراعة المصرية آفات أنقصت من دخل الضريبة العقارية واضطرت الحكومة معها لشراء الماشية والغلال لتموين الأهالي، مما خسرت معه ما يزيد على مائة وعشرين ألفا من الجنيهات، ثم إن إسماعيل كان مغرما أشد الغرام بتملك الأطيان حتى لقد بلغت مساحة «دوائر» العائلة المالكة في سنة 1865 ما يزيد على خمس الأطيان المنزرعة في مصر الوسطى وفي الوجه البحري.
ذلك كله مضافا إلى حاجات الميزانية العادية، وما احتاجت إليه الإصلاحات العامة التي بدأ إسماعيل بالقيام بها تنفيذا لبرنامجه، جعل الالتجاء إلى الاقتراض أمرا لا مفر منه، وقد بدأ إسماعيل فعلا بالاقتراض منذ ولي الحكم، فلما انقضت على ولايته سنة وبعض السنة كان الالتجاء إلى المرابين في مصر غير كاف لحاجاته، وكان لا بد من الاقتراض من بيوتات مالية كبيرة في أوربا، ولم يجد إسماعيل عنتا في استصدار تصريح بالاقتراض من الأستانة، وبذلك استطاع في 8 سبتمبر سنة 1864 عقد أول قروضه وقدره 5704000 جنيه.
অজানা পৃষ্ঠা