তারাজিম মাশাহির
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
জনগুলি
هو الوزير الخطير والسياسي العثماني الشهير، المعروف بحبه لوطنه وحسن خدماته لدولته وأمته، ابن مصطفى أفندي روزنامه جي الأوقاف الهمايونيو، ولد سنة 1215ه بالآستانة العلية وتهذب على أيدي والديه إلى سن الشبوبية، فأدخل بقلم مكتوبجي الباب العالي، وكان يختلس الفرص ويذهب إلى المساجد لتناول العلوم العربية عن أئمتها.
وكان رؤساؤه يحبونه لاستعداده ودرايته فترقى بمدة وجيزة، وصار من الكتاب الممتازين في القلم المذكور، ونال فوق ذلك رتبة رئاسة التعليم ولم تكن تعطى لحديث السن مثله، وكان على صغره يفصل المشاكل المهمة فصلا يقصر عنه الشيوخ، فكان يسمع مدحه وتنشيطه من الرؤساء فيزداد همة ونشاطا، وكان برتو باشا الشهير من جملة من قدر مزيته واقتداره.
ولما ارتقى إلى درجة باش خليفة (باشكاتب) أرسلته الدولة العلية إلى المورة برفقة الأودو الهمايوني تحت قيادة خسرو باشا، فابتدأ من ذلك الحين يصرف ذهنه إلى استطلاع أسباب تلك الحادثة، وما يضمن رجوع النفوذ العثماني.
وبعد رجوعه من المورة أرسل إلى القطر المصري مرتين برفقة برتو باشا على عهد المغفور له محمد علي باشا، فأظهر من الدراية في حل المشاكل ما اشتهر بين الخاص والعام.
ولما تبوأ السلطان عبد المجيد خان كرسي السلطنة كان المشار إليه بمأمورية آمدي الديوان الهمايوني، وكانت المذاكرات جارية بمجلس الوكلاء (الوزراء) إذ ذاك بشأن إصلاح شئون الدولة؛ لوقوعها في ارتباك عظيم بمسألة المورة واستقلال اليونان وإلغاء أجواق الإنكشارية ومحاربة روسيا، وكان السلطان حريصا على أمته وصيانة ممالكه حتى كان يود إصلاح ذلك كله دفعة واحدة، ولكن مقاصد الوزراء إذ ذاك متباينة متضادة مثل ما كانت أحوال الولايات، ولما لم ينتج من تلك المذاكرات نتيجة فعالة ضاق السلطان ذرعا، فجاء يوما بغتة إلى الباب العالي ودعا الوكلاء إليه وكان من جملتهم رشيد بك صاحب الترجمة.
فأخذ السلطان في تلك الجلسة يبين الخطر العظيم المحيط بالدولة من جميع أطرافها، وطلب إلى الوكلاء إبداء آرائهم في تخليص الممالك والأمة، فلم يكن جوابهم إلا التأوه والتأسف، فأثر ذلك برشيد بك تأثيرا، فوقف وصرح برأيه بكل احترام وأدب ووعد بأن يقدم رأيه خطا للأعتاب السلطانية، وهكذا فعل؛ فإنه قدم لائحة كانت السبب الوحيد لخلاص الأمة والمملكة من تلك الوهدة المخطرة، ونال بسببها الشهرة العظمى، فوجهت إليه رتبة الوزارة مع لقب باشا، ثم أرسل سفيرا إلى باريس ولندرة لحل مسألة مصر وهو لم يتجاوز الثلاثين من العمر، وزد على ذلك أنه كان يجهل اللغات الغربية فأرسل برفقته ترجمان يسمى المسيو كور. ولكنه رأى أن لا بد له من دراسة لغة أوربية، فتعلم الفرنساوية وطالع بواسطتها نظامات المماليك وأسباب نجاحها وثباتها، وكان ينظر إلى تلك الممالك نظرة وإلى حال دولته نظرة أخرى، ويقابل بين الحالتين توصلا إلى دواء يشفي الدولة مما كانت فيه من الأمراض العضالة.
وكان الغربيون ينظرون إلى الشرق نظر الاحتقار؛ لما كان يتصل إليهم من المبالغات بشأنه، فكان صاحب الترجمة يبذل جهده لتكذيب تلك الأراجيف بالدليل والقياس استجلابا لحسن ظنهم بالدولة العلية، وكان الملك جورج (ملك إنكلترا إذ ذاك) يصغي إلى كلامه حتى اقتنع منه بأن المحافظة على قوام الدولة العلية ووقاية ملكها يعودان بالنفع على سائر ممالك أوروبا، فانعقدت المعاهدة المسماة (بروتوكول لندرة) ومن مقتضاها التخلي لمحمد علي باشا عن ولايتي مصر وعكا طول حياته، ولكن محمد علي باشا لم يوافق على ذلك، فاضطرت دولة إنكلترا إذ ذاك أن ترسل سفنها الحربية إلى تلك الأمصار، وكانت النتيجة احتراق السفن الحربية المصرية أمام بيروت، وإخراج عساكرها من البلاد السورية وإعادة البلاد التي افتتحها إلى الدولة العلية، وحصر ولاية محمد علي باشا بالقطر المصري مدة حياته، ثم يتوارثها أكبر أولاده بموجب الشروط المذكورة بالفرمانات الهمايونيو، وترى ذلك مفصلا في كتابنا تاريخ مصر الحديث.
وكانت دول أوروبا حينئذ تنظر إلى الدولة العلية نظرها إلى المغتصب، ولم تكن تصادق على تملكها ولا تعد الدولة العلية من جمعية الدول الأوربية، وربما كان ذلك ناتجا عن إهمال عمال الدولة وما تمكن من الخلل في داخليتها حتى شغلهم عن علاقاتها الخارجية.
وكان السلطان عبد المجيد خان قد تحقق صداقة رشيد باشا فصار يعتمد عليه الاعتماد التام، فاتخذه مستشارا خاصا، وفي سنة 1256ه قام على الكرسي العالي بالنيابة عن جلالته في ميدان الكلخانة، وقرأ الخط الشاهاني المعلن المساواة بين سائر أصناف العثمانيين، فاعتقدت الدول الأوربية فلاح الدولة العلية بذلك وابتدأت تثق بالباب العالي كل الوثوق، وكان هذا الخط الشريف صورة من لوائح صاحب الترجمة قد أفرغت بقالب رسمي.
وعلم أيضا أن قلة الرجال المقتدرين يقف عثرة في طريق الإصلاح، فأخذ يرقي أصحاب اللياقة والاقتدار من شبان الوطن إلى أعلى المراتب بمدة قليلة، وفي جملة من ترقى على يده فؤاد باشا وعالي باشا وأحمد توفيق باشا الذين اشتهروا بخدماتهم للدولة العلية.
অজানা পৃষ্ঠা