তারাজিম মাশাহির
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
জনগুলি
وفي أواسط سنة 1886 عاد أبو عنقر إلى أم درمان ومعه الغنائم والأسلاب، فاحتفلوا باستقباله احتفالا عظيما حضره التعايشي وسائر الخلفاء والأمراء وضربت به الطبول وغيرها.
وبعد قليل جاء التعايشي نبأ أن يونس في ضيق، فبعث أبا عنقر يتولى قيادة الدراويش في قلابات، فسار في جنده وأنقذه من ضيقه، وسبب ذلك الضيق أن بعض رجال يونس ادعى أنه عيسى المسيح والتف حوله تلامذة كثيرون، بعضهم مؤمن به والبعض الآخر تبعوه نكاية في يونس لأحقاد بينهم وبينه، فلما وصل أبو عنقر قبض على 11 أميرا ظهر له أنهم تآمروا على قتل يونس، وبعث إلى الخليفة يستشيره في أمرهم فبعث إليه أن يقتلهم، ثم ندم فبعث أن لا يفعل ولكن سبق السيف العزل.
وكان جند أبو عنقة إذ ذاك أكبر جند اجتمع في حوزة الخليفة عبد الله مؤلفا من 15 ألفا من حملة البنادق و45 ألفا من حملة الرماح والنبل وثمانمائة فارس، فجمع أبو عنقر هذه القوة وسار نحو رأس عادل لينتقم منه، فوفق في هذه الحملة على غير انتظار وتغلب على رجال رأس عادل وأخرجهم من محلتهم، واستولى على الخيم والمؤن وكل الأمتعة، وأسر امرأة رأس عادل وابنته وكأنه بهذه الغلبة قد فتح كل مقاطعة أمحرة، فسار توا إلى غندور على أمل أن يلاقي فيها خزائن وأموالا فلم يجد شيئا، فأحرق البلدة وعاد وهو ينهب ويسلب كل ما مر به بطريقه، حتى ساقوا أمامهم قطيعا من نساء الأحباش وأطفالهم سوق الأغنام، فلما وصلوا قلابات بعثوا الأسرى إلى أم درمان، فأخذ الخليفة خمسهم وضموا الباقي إلى بيت المال وقد مات منهم في الطريق مئات من الجوع والتعب، وأصبح الطريق بين قلابات وأبي حراز مملوءا بجثث أولئك المساكين وفي جملتها جثتا ابنة رأس عادل وابنه.
وبعث التعايشي إلى أبي عنقر أن يحصن قلابات؛ لأن الأحباش لا يتقاعدون عن الانتقام، ولكن المنية عاجلت أبا عنقر فمات شابا لم يتجاوز 32 سنة من عمره.
ثم ما لبث النجاشي يوحنا ملك الحبشة أن جند للانتقام من الدراويش على خراب غندر، فحمل بجند كبير على قلابات، وكانت جنود أبي عنقر لا تزال هناك ولم تفقد إلا قائدها الأكبر فتأهبوا للدفاع، فوصل النجاشي وعسكر بالقرب من قلابات فانقسم جنده فرقتين هاجمت المدينة من ناحيتين، فدخلت إحداهما المدينة من أثلام في السور واشتغلت بالنهب والقتل، وبقيت الأخرى تهاجم السور من الخارج وفيها النجاشي، وقد وقف يستحث رجاله ويحرضهم على الدراويش فأصابته رصاصة قتلته، فبعد أن كان النصر للأحباش عادت العائدة عليهم فخافوا وتقهقروا في أثناء الليل، فأصبح الدراويش وهم يحسبون لهجمة الأحباش ألف حساب فإذا بالأرض خالية من الخيم، فبعثوا الجواسيس فعلموا أن النجاشي قتل فتعقبوهم، وكان الأحباش قد عسكروا على مسافة نصف يوم من قلابات فباغتهم الدراويش، ففر الأحباش وتركوا المعسكر غنيمة للدراويش، فوجدوا في جملة الغنائم تاج النجاشي يوحنا مصنوعا من الفضة ومحلى بالذهب وسيفه وكتابا مرسلا إليه من ملكة الإنكليز، فحملوا ذلك غنيمة إلى أم درمان. (8) فتح مصر
ومن أغرب مطامع التعايشي فتح مصر وضمها إلى مملكته على حين أن المهدي نفسه لم يجاهر بذلك صريحا، فلما توفي هذا كتب التعايشي كتابا إلى جلالة السلطان، وآخر إلى سمو الخديوي، وآخر إلى ملكة الإنكليز يطلب إليهم جميعا أن يسلموا له ويذعنوا لسلطانه وأرسل الكتب مع رسل خصوصيين إلى مصر، فعاد الرسل ولم ينالوا جوابا غير الاحتقار والازدراء، فشق ذلك عليه وحقده عليهم.
فلما قدر له الفوز على الأحباش حدثته نفسه أن يجرد على مصر فيفتحها ويقيم نخاسا من البقارة أو التعايشة أميرا يتولى حكومتها أو يأتي هو بجلالة قدره من بيته في أم درمان فينصب عنقريبه في سراي عابدين.
ففي أوائل سنة 1889 استشار بعض رجاله في التجريد على مصر فشوقوا إليه سكناها ووصفوا له قصورها وغياضها وأموالها ونساءها، فما أشبه وصفهم هذا بما وصفها به عمرو بن العاص للخليفة عمر بن الخطاب يوم حثه على فتحها قبل ظهور التعايشي بثلاثة عشر قرنا، فتاقت نفس التعايشي إلى فتح مصر ولم ير بين قواده أولى بهذه المهمة من عبد الرحمن ولد النجومي، وكان من أشد الدراويش بطشا، وأصعبهم مراسا، وأكثرهم استهلاكا في نصرة الدعوة، وكان قبل ظهور المهدي تاجرا بين مصر والسودان قد خبر الأرض وعرف الطرق، فأرسله في حملة أكثرها من قبائل الجعالين والدناقلة وغيرهم ممن جاوروا حدود مصر العليا وخالطوا سكان تلك الأقاليم متظاهرا أن قصده بذلك فتح مصر برجال هم أدرى بها من غيرهم، ولكن الحقيقة أنه لم يجهل الخطر الذي يهدد ذلك المشروع فلم يجعل في تلك الحملة أحدا من أقاربه وأبناء عشيرته ولا من قبائل البقارة وغيرهم من عرب غربي النيل الأبيض؛ لأنهم من حزبه فادخرهم لحين الحاجة. أما الدناقلة والجعالين فأكثرهم من حزب الخليفة محمد الشريف، وقد رأيت ما قام بينه وبين التعايشي وما كان من تغير قلبيهما، فما انفك هذا بعد ذلك يعتبر الشريف عدوا له تحت طي الخفاء، فبعث أحزابه في حملته هذه وفي نيته أنهم إذا فتحوا مصر عاد الفخر له واتسعت مملكته، وإذا انكسروا تقهقروا إلى دنقلا وقد ضعف شأنهم وتخلص هو من دسائسهم.
فجعل دنقلا محط رحال تلك الحملة، وأقام يونس ولد الدغيم أميرا على دنقلا يقيم فيها ويدير شئونها، وولد النجومي يقود الحملة ولا يعمل إلا بمشورة يونس.
واتفق في أثناء تجريد تلك الحملة حادث يدلك على ظلم التعايشي وعسفه فتعلم أن دولته لم تقم إلا لأجل قصير؛ لأن الظلم مرتعه وخيم، والحادثة أن التعايشي أمر جماعة من قبيلة البطاحين أن يرافقوا تلك الحملة وفيهم أحمد ولد جار النبي، والبطاحين قبيلة تسكن شمالي النيل الأزرق بين قبيلة الشكرية والنيل مشهورة بالشجاعة والاستقامة من عهد الحكومة المصرية، وكان التعايشي قد استعمل جماعة كبيرة منهم في دنقلا وبربر فلم يروا في أعماله خيرا، فلما أوعز إليهم أن يرافقوا تلك الحملة أبوا، وفر ولد جار النبي فتعقبه بعض رجال الخليفة فجرح واحدا منهم، فشق ذلك على التعايشي، فأنفذ جماعة قبضوا على البطاحين عن بكرة أبيهم إلا نفرا قليلين تمكنوا من الفرار، فجيء بسبعة وستين منهم بنسائهم وأولادهم فأوعز التعايشي إلى القضاة أن يحكموا عليهم فحكموا أنهم مخالفين، عصاة، فقال: «وما قصاص العاصي» قال القضاة: «قصاصه الموت»، فنصب المشانق، وقسم هؤلاء المنكودي الحظ إلى ثلاثة أقسام: قتل قسما بقطع الرأس، وقسما بالشنق، والقسم الثالث أمر فقطعت أطرافهم، وكان ذلك اليوم يوما مشهودا في أم درمان جاء فيه عبد الله على جواده إلى ساحة السوق وحوله ملازموه وفي جملتهم سلاتين باشا ووقفوا لمشاهدة ذلك المنظر المريع، وكان بعض المحكوم عليهم معلقين بالمشانق أزواجا، وأثلاثا، والبعض الآخر مكتوفي الأيدي جاثين أمام الجلادين، وفيهم من قد قطع رأسه وزهقت روحه، ومن قد أصابه السيف بضربة لم تفصل رأسه، فتململ وتوجع في باطن سره لئلا يقال إنه جبان، وفيهم الجاثي مكتوفا ينتظر مجيء الساعة إلى غير ذلك مما يفتت الأكباد. أما هم فكانوا يلاقون الموت بصدور منشرحة، ومنهم من ينادي بأعلى صوته: «هذا هو يوم العيد عندي فمن لم ير شجاعا يقتل فلينظر إلي»، أما التعايشي فدار بجواده حول تلك الساحة ينزه نظره بذلك المنظر حتى قضي الأمر فعاد بموكبه وحاشيته. (9) عود إلى مصر
অজানা পৃষ্ঠা