তারাজিম মাশাহির
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
জনগুলি
ثم توالت الحوادث إلى 15 يوليو (تموز) سنة 1840م فانعقدت معاهدة «لندرة» قاضية باعتبار محمد علي باشا من تابعي الدولة العثمانية، إلا أن ذلك لم يكن ليوقفه عن مقاصده، ولديه إذ ذاك نحو 146 ألفا من الجنود النظامية، و22 ألفا منها الباشبوزق منه 130 تحت قيادة ابنه إبراهيم في سوريا، والباقون متفرقون في الحجاز وسنار وكريد ومصر، لكنه علم بعد ذلك أن هذه القوات قليلة في جانب ما يلزمه لإتمام مشروعاته، فجعل يضم إليها كل تلامذة المدارس حتى استخدم المرضى والجرحى، ثم عمد إلى إنشاء خفر وطني احتياطيا، ولكنه لم ينجح به كل النجاح، على أنه مع ذلك لما عرضت عليه معاهدة «لندرة» لم يصادق عليها، فعرض عليه أن يأخذ ولاية عكا ترضية له ويضمها إلى مصر وينسحب من سوريا فرفض أيضا.
وبعد ذلك بيسير جاءت الجيوش الإنكليزية إلى صيدا، وفر إبراهيم إلى الجبل، وكان الكومودور نابيه قد سار في عمارة بحرية إنكليزية لمحاصرة بيروت، وكانت تحت قيادة سليمان باشا الفرنساوي وقد حصنها تحصينا منيعا ومعه فرقتان من الجند، وإنما لسوء الحظ جاءته الأنباء أن إبراهيم قتل وتشتت رجاله، فخاف سليمان ورأى أن لا بد له من تأكيد حقيقة ذلك الخبر؛ حتى إذا تحقق موت إبراهيم يضم إليه ما بقي من الجيوش للمدافعة، فبرح بيروت بعد أن جعل عليها صادق بك أحد أميرالايات الفرقتين. أما هذا فلما رأى نفسه منفردا في بيروت خاف فترك المدينة وفر، فاستولى عليها الإنكليز، ثم اتصل به من سليمان أن إبراهيم باشا لا يزال حيا، ويأمره بالثبات أمام العدو بينما يحضر، فخاف صادق بك الوقوع في شر أعماله فانضم إلى الإنكليز هو ورجاله، ثم سار نابيه من بيروت إلى عكا وحاصرها، ففر إسماعيل بك ومن فيها من الرجال وسلمت المدينة.
ثم سار نابيه إلى الإسكندرية بست سفن، وعرض على محمد علي باشا الصلح فقبل، وعقدوا معاهدة وقع عليها الطرفان، ولما أرادوا تثبيتها مانعت الدول في ذلك، وبقيت الأمور على حالها حتى دارت المخابرات بين الباب العالي ومحمد علي باشا فأراد السلطان إرضاء محمد علي، فأعطاه أن تكون مصر وراثية لنسله بشرط أن يكون لجلالة السلطان الحق المطلق أن يختار من عائلة محمد علي من يريد لتوليتها، فتردد محمد علي في بادئ الرأي. ثم أمر جيوشه أن تنسحب من سوريا، وكان عددها عند ذهابها إليها مائة وثلاثين ألفا فلم يرجع منها إلا خمسون ألفا، وقد أخذ التعب منهم مأخذا عظيما، فلم ير بدا من قبول إنعام السلطان، فبعث إلى الباب العالي بذلك، فأرسل إليه خطا شريفا 13 فبراير سنة 1841م بتثبيته على مصر مع حقوق الوراثة لأعقابه، وأن يكون لجلالة السلطان أن يختار منهم من يريد لهذا المنصب وغير ذلك، ثم صدر فرمان آخر بتثبيت ولايته على النوبة، ودارفور، وكردوفان، وسنار، فأصبحت حكومته بعد ذينك الفرمانين محصورة في مصر والسودان، وبمقتضى الخط الشريف تنازل محمد علي باشا عن عشرة آلاف من جنود سوريا، فلم يبق عنده إلا ثمانية عشر ألفا بين مشاة وفرسان وغيرهم، فاضطره إذ ذاك إلى الاقتصاد لإصلاح مالية البلاد، فأوقف كثيرا من المدارس العمومية التي كان قد خصص مبالغ معلومة للنفقة عليها، ومن ضمنها مدرسة شبرا الزراعية، وأبدل الأساتذة الأوروباويين لما بقي من المدارس بأساتذة أتراك أو وطنيين، وسار من ذلك الحين في خطة الإصلاح قانعا بما قسم له من البلدان، فعمل على إرضاء جلالة السلطان فأنفذ إلى جلالته ابنه سعيد باشا لتقديم فروض العبودية.
ثم أصاب إبراهيم باشا انحراف في صحته، فسار إلى أوروبا لقضاء فصل الصيف سنة 1845 فأصاب ترحابا عظيما في سائر الممالك الأوربية، ولا سيما في فرنسا وإنكلترا وعاد إلى مصر في أواخر صيف 1846م، وكان والده قد توجه قبل وصوله بيسير إلى الآستانة بدعوة رسمية ليقدم عبوديته لجلالة السلطان، فوصلها في 19 يوليو (تموز) عام 1846م، ونزل في سراي رضا باشا، ثم تشرف بالمثول بين يدي السلطان فرحب به، ولما أراد تقبيل الأعتاب الشاهانية أمسكه جلالته وأجلسه بجانبه، ومكثا ساعة يتحادثان ثم انصرف شاكرا، وزار عدوه القديم خسرو باشا وتصافيا، وفي 17 أوغسطس من تلك السنة برح الآستانة قاصدا قوالة مسقط رأسه، فأقام فيها عدة أبنية لتعليم الفقراء وإعانة الضعفاء والمساكين، ثم بارحها إلى الإسكندرية فقوبل بالأنوار وسار منها إلى القاهرة فتقاطر إليه المهنئون من الأصدقاء أفواجا، فكان يستقبلهم وعلى صدره الطغراء الشاهانية تتلألأ كالشمس.
وفي منتصف عام 1884 توعك مزاج محمد علي باشا وازدادت فيه ظواهر الخرف، فلم يعد ثم بد من تولية إبراهيم باشا، فتوجه هذا إلى الآستانة في أوغسطس من تلك السنة لأجل تثبيته على ولاية مصر خلفا لأبيه، فثبته السلطان بنفسه، فعاد لمعاطاة الأحكام. ثم راجعه المرض واشتد عليه بغتة ففارق هذا العالم في 10 نوفمبر عام 1848م، وبعد وفاته بإحدى عشرة ساعة دفن في مدفن العائلة الخديوية بجوار الإمام الشافعي بالقاهرة.
وكان عباس باشا غائبا في مكة فاستقدم حالا لاستلام زمام الأحكام، فوصل القاهرة في 24 دسمبر بعد أن قضى فروض الحج، وبما أنه أكبر أبناء العائلة لم يكن ثم اعتراض على توليته، فجاء الفرمان الشاهاني من الآستانة مؤذنا بذلك فتولى الأمور.
كل ذلك ومحمد علي باشا في الإسكندرية وقد أخذ منه الضعف مأخذا عظيما وما زال يهزل جسدا وعقلا إلى 2 أوغسطس عام 1849م فتوفي، ولم يستغرب الناس ذلك لأنه مكث في حالة النزاع مدة طويلة، وفي 3 منه تقاطر الناس من الأعيان والقناصل إلى سراي رأس التين في الإسكندرية لحضور مشهد ذلك الرجل العظيم، فإذا هو في قاعة الاستقبال موضوعا في محمل تغطيه شيلان الكشمير، وعلى صدره سيفه والقرآن الكريم، وعلى رأسه طربوشه الجهادي أحمر تونسي، وحوله العلماء في الملابس الرسمية يتلون القرآن بأنغام محزنة، وكان سعيد أكبر من وجد في الإسكندرية من عائلة الفقيد، فكانت توجه نحوه خطابات التعزية، وقد نقلت جثة الفقيد ودفنت في جامعه في القلعة، ولا تزال هناك إلى الآن. (4) إصلاحاته
استولى محمد علي على مصر وهي في معظم الخراب والفساد سياسيا، وماليا، وتجاريا، وزراعيا، وأدبيا، فأخذ على نفسه إصلاح شئونها، وبذل في ذلك من الجهد والعناية ما ليس وراءه غاية، وقد فاز بما أراد؛ فأحيا الديار المصرية وأنعشها وأنماها من سائر الوجوه حتى أصبحت تجاري مدن أوروبا؛ ولذلك لقبه كتاب عصره بموجد الديار المصرية، يريدون أنه أوجدها من العدم. (4-1) الإصلاح الإداري
وأول شيء باشره من الإصلاح مسح الأراضي والانتفاع بزرعها وتوزيعها، وتفصيل ذلك أن الأراضي المصرية كانت منقسمة من حيث ملكها إلى قسمين: أحدهما الأراضي التي كاد يكون لواضع اليد عليها الحق في ملكها ملكا مطلقا وكانت معفاة من الضرائب، والقسم الثاني الأراضي التي لم يكن لزراعها إلا حق التمتع بريعها، وهي الأراضي التي كانت عليها الضريبة الخراجية، أما نفس العقار في هذين القسمين فكان ملك بيت المال أو الحكومة أو السلطان.
هذا كان شأن الأراضي المصرية قبل الفتح العثماني وبعده إلى القرن السابع عشر حينما استأثر الأمراء المماليك بالقوة والسلطة واختل نظام الأرضين، وصار الناس يهاجرون، فأهملت الأشغال العمومية، وقل ريع الأرض، فأصبحت الحكومة في عجز كلي عن استحصال النقود فالتجأت إلى تلزيم الخراج، وذلك أن الحكام كانوا يضمنون خراج النواحي والبلاد لأناس وكان ذلك الضمان أو الالتزام إما بالمزايدة أو بالاتفاق بين الملتزم من جهة والرزنامه بالنيابة عن الحكومة من جهة أخرى، حتى إذا تم الأمر أعطت الرزنامه للملتزم تقسيطا؛ أي عقد تلزيم يصدق عليه شيخ البلد وهو كبير أمراء المماليك.
অজানা পৃষ্ঠা