درست وغيرت أيها العصر
وقال الله تعالى: ﴿فيه آيات بينات مقام إبراهيم﴾ أي: علامات.
فإن قيل: ومن الناس من لم يعلم بالنبوة بعد ظهور الآيات فكيف يكون تفسيرها ما يوجب العلم؟
قلنا: إن هذه الحجج التي نتكلم فيها مما لا توجب العلم جبرًا بل بالتأمل فيها توجب، وإنما جهل من جهل بعد الآيات بالرسل بترك التأمل لكنه لم يعذر لأن العاقل مما يلزمه التأمل فيها فلم يعذر بالترك، ولو كانت الحجج موجبة للعلم جبرًا لما تعلق بها ثواب ولا عقاب.
وأما الدليل: فهو اسم لحجة منطق، لأنه في اللغة؛ فعيل بمعنى فاعل، فكان اسمًا لفاعل الدلالة كالدال. وعنه قيل: يا دليل المتحيرين أي: هاديهم إلى ما يزول به حيرته، وكذلك دليل القافلة، ثم سمي كلامه باسمه دليلًا، ولما كان حجة نطق كان غير الاسم الموضوع لما لا نطق له. فإن قيل: إن الدخان دليل على النار، والبناء دليل على الباني ولا نطق هناك!. قلنا: إنه اسم مجاز لوجود معنى دلالة النطق منهما، كما قال الله تعالى: ﴿جدارًا يريد أن ينقض فأقامه﴾.
وقال تعالى: ﴿قالتا أتينا طائعين﴾ وكقول الشاعر:
وعظتك أجداث صمت
ثم الدليل مجازًا كان أو حقيقة: اسم لما يبين أمرًا كامن، وسائر الحجج أسماء لما يبين أو يوجب حكمًا مبتدأ فصار الدليل اسمًا خاصًا لما هو مبين.
والشهادة مثل الدليل، لأنها حجة منطق في الأصل كالدلالة، إلا أنه أخص من الدلالة وهما سواء أوجبا علم اليقين أو دونه، فالشهادات في مجلس القضاة تسمى بينات، وهي لا توجب العلم يقينًا.
وأما العلة: فتفسيرها لغة: اسم لحال تغير بحلوله حكم الحال، أو اسم لما أحدث أمرًا بحلوله لا عن اختيار كالمرض يسمى علة لتغير حكم حال الإنسان بحلوله لا عن اختيار للمريض فيه، وكذلك الجرح علة الموت إذا سرى إليه لهذا الحد، ولا يسمى الجارح علة لأنه مختار غير حال بالمجروح، ولهذا لم يجز وصف القديم -عز ذكره- "بالعلة" لأن الله تعالى أنشأ عن اختيار، ولا يوصف بالحلول، فكانت العلة على هذا السبيل نوعًا ثالثًا غير الآية والدليل لأنهما يوجبان الحكم بلا حلول.
والمراد بالعلة بعرف لسان الشرع: المعاني المستنبطة من النصوص التي تعلقت بها الأحكام شرعًا فيها، وتعدت بتعديها إلى الفروع، لأن تلك المعاني بحكم حلولها في
1 / 14