على اختيار العبد ما خيره الله فيه وملكه.
ولأن الأمر لو وجب به الوقف لوجب بالنهي مثله فحينئذ يصير الأمر والنهي واحدًا، وأنه قول محال، وإذا لم يجب الوقف بالنهي ووجبت الحرمة به والأمر ضده وجب أن يثبت به الإباحة.
وأما النادبون: فذهبوا إلى أن الإباحة لا ترجح جهة الفعل على جهة الترك، وفي الأمر طلب الفعل فإن الوجود متعلق بالفعل فلا بد من إثبات ما يترجح به الفعل على الترك وهو في أن يجعل الفعل أحين من الترك وأدنى صفة جهة الحسن في الندب. قالوا: ولا يلزمنا قول الله تعال: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم﴾ ولا تنقطع الخيرة إلا بعد الوجوب، لأن الخلاف في مطلق الأمر والله تعالى علق انقطاع الخيرة بأمر مقضي به، وفي القضاء دلالة الإلزام من حيث الحقيقة وإن كان يقام مقام الأمر مجازًا.
ثم دل تعليق الله تعالى انتفاء الخيرة بالقضاء بالأمر، على أن الخيرة غير منتفية ما لم يتصف الأمر بالقضاء.
ولا يلزمنا كفر إبليس- عليه اللعنة- لمخالفته أمر ربه بالسجود لآدم ﵇ لأنه إنما كفر لاستكباره على ما نص الله تعالى عليه، حتى قال الله تعالى: ﴿فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج﴾ فأخبر أنه أخرجه لتكبره.
ولنه قال: ﴿ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت﴾ وقوله تعالى: ﴿ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه﴾ فبين أنه تركه له لرؤيته الفضل لنفسه بغير حق وهو الكبر، وقال الله تعالى: ﴿إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين﴾ أخبر أنه كفر باستكباره، ولأن الأمر بالسجود لآدم ﵇ نص على أن الفضل لآدم فصار كافرًا برده حكم الله تعالى في تفضيل آدم.
وأما الشرائع التي افترض أداؤها بالأوامر فعرفت فرائض الله بقرائن؛ إما إلحاق وعيد، أو إيجاب صريح، أو بأسباب أخر غير الأوامر على ما بينا.
والحجة لعلمائنا- ﵏ ما ذكرنا أن الأمر لبيان أن المأمور به مما ينبغي أن يوجد من قبل المأمور، وهي صفة لازمة بالأمر، كما كانت صفة الوجود لازمة من سائر أقسام التصريف، فإن قولك: "دخل فلان الدار" على ما عليه حق الكلام وهو الصدق يقتضي وجود الدخول لا محالة.
وكذلك يدخل على ما عليه الحد مقتضى وجود الدخول في الثاني، فكذلك أدخل على ما عليه الحد.
وإذا صار صفة الأمر أن يوجد صفة لازمة للفعل المأمور به من قبل المأمور بحكم
1 / 37