أما الكاهن، فاقترب من الصبي وأخذه بيديه الجبارتين، ورفعه فوق الأمواج المصطخبة، وصرخ قائلا: أيها الإله، يا خالق البشر والأشياء، مر البحر أن يهدأ، لا تدع الروح الشريرة تثير أمواجه على الإنسان، أنت تحب البراءة، يا الله، فأنا أستحلفك بهذا الولد الذي يمثل البراءة نفسها، أستحلفك باسم المسيح المبارك في الأجيال ...
عند هذا أسرع العبد واختطف الولد باكيا من بين يدي الكاهن، ومضى به حتى وصل إلى كنيسة، فاعتقد حينئذ أن الأناشيد المقدسة، وشذا البخور، ورؤية المؤمنين تسكن جأش الصدور وتخفف الألم، فدخل إلى المعبد وجلس بين المؤمنين، وأخذ يلاطف بيد عذبة جبهة الولد وشعوره.
في تلك الساعة كان الأسقف جالسا على عرش مرتفع أمام باب الخورس يحيط به جمع غفير من الكهنة، وكان أحد القسوس يقرأ الإنجيل على الحاضرين، فتتناثر من شفتيه هذه الكلمات التي تلفظ بها الله: ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه. •••
صرف الولد حداثته بعذوبة وهدوء، وكان الجميع يعجبون من تقاه واجتهاده في الدروس الأدبية، حتى إنهم تنبئوا له بمستقبل عظيم.
أما الكلمات التي سمعها في الكنيسة، فقد كانت دخلت إلى أقاصي نفسه، ومهدت له مكانا موطدا فيها.
وعندما بلغ الثامنة عشرة من سنيه، نزع عنه ثوب الطفولة، ولبس ثوب الشباب.
إذ ذاك عزم أهله أن يحتفلوا بخروجه من الحداثة ودخوله في الحياة العالمية، فدعوا إلى الحفلة رهطا من الشباب الناهض، ووضعوا على رأس الفتى إكليلا من الأزهار العطرة، وأجلسوه في وسط المدعوين.
لا تسل عن الفرح العظيم الذي استولى على قلوب الحاضرين، عندما تقدم فتيان من المحتفل به ورفعا إليه غصنا من الفضة كتب على أوراقه هذه الكلمات الثلاث: إلى أمير الشباب.
كانت عطور الليمون والأزهار تمتزج بروائح الخمور في تلك الوليمة الكبرى، فشعر الفتى بأن قلبه يتفطر، وخيل إليه أنه يسمع صوتا في نفسه يقول له: إن جمالك وشبابك اليانع ومعارفك الواسعة تمكنك من الجلوس يوما على عرش الألم ... ألا فليذق جسدك طعم الملذات ... إنك لا تزال فتيا، وتستطيع أن تملك جميع ملذات الحياة ...
كانت الأشباح الغرارة تمر أمام عينيه، حاملة مشاهد اللذات الباطلة بدون أن يتمكن من مقاومتها.
অজানা পৃষ্ঠা