استقبل الرئيس الولد بسرور وغبطة، فارتدى هذا ثوبه الأسود الخشن وأخذ كل صباح يقدم للكاهن نبيذ الذبيحة.
مرت الأعوام فكبر الولد وأصبح يميل إلى الوحدة، فيتنحى عنه رفاقه المبتدئين ويصرف الساعات الطويلة متمشيا على الأسوار، لا أنيس له سوى أفكاره المضطربة.
أما رفاقه في الدرس وأستاذه فكانوا ينظرون بدهشة إلى الشعلة المنبعثة من عينيه، ويصغون بحيرة إلى الكلمات المتناثرة من شفتيه الفتيتين، أصدية الأفكار السامية التي كانت تزدحم تحت جبينه الصبيح.
ذات يوم، بعد مناظرة لاهوتية طرحت فيها أصعب المسائل الفلسفية، فاز الأخ إلياس على خصومه فوزا باهرا، حتى إن أستاذه الشيخ لم يملك نفسه أن نزل عن كرسيه وضم إليه تلميذه النجيب قائلا له: اصعد إلى هذا المنبر يا ولدي، فأنت أحق به من غيرك، ماذا باستطاعتي أن أعلمك بعد الآن؟ ألست أنا الواجب علي أن أصغي إلى تعاليمك؟ ستكون مفخرة الكهنوت، وضياء الكنيسة.
بقي الأخ إلياس - ذلك المعلم الفتى - يدرس وحيدا في قليته بين مخطوطات اللاهوت، وعلم الفلك، والأسباب الأولية ... وكل ما يمت إلى العلوم الإلهية والإنسانية.
ولم يزل على ما هو حتى اجتازت شهرته حدود جبل كسن، وسادت تعاليمه في الأديرة أجمع، وأصبح القسوس والعلماء والجهابذة الغرباء يحجون إليه من أقاصي البلدان، ويخضعون مشكلاتهم لأنواره السامية، مطلقين عليه لقب العالم المنير.
كان الأستاذ الشيخ صادقا في نبوءته، فالأخ إلياس أصبح بلا منازع مفخرة الكهنوت.
عندما كان يمر في أروقة الدير، كان القسوس، حتى القدماء منهم، ينحنون أمامه باحترام وتؤدة. •••
طرأ على الأخ إلياس طارئ فجائي، قلب أفكاره، وأدب السويداء في نفسه، فتوارت أخيلة البسمات عن شفتيه، وأصبح مشتت الأفكار مضطربا، لا ينتبه إلى ما حوله إلا نادرا، ولا يعير إصغاءه إلى من يستفتيه في مسألة، فيجيب بكلمات مبهمة غامضة!
كان عقله في مكان قصي سابحا في مبهمات تتناوبه، حتى إنه لم يكن يستطيع البقاء في الدير، فيخرج إلى الحرج ويتيه في أعماقه بين الأشجار الكثيفة والصخور الجرداء!
অজানা পৃষ্ঠা