وربما قيل في قوله تعالى (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) أفليس قد ميز بين الايمان والاسلام؟ وجوابنا ان الاسلام في اللغة هو الاستسلام والانقياد وذلك ليس باسلام في الدين على الحقيقة ولذلك قال (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) ومن يكون مسلما في الحقيقة فقد دخل الايمان قلبه ولذلك قال بعده (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) فبين تعالى أن الاعراب لم يكونوا كذلك بل كذبوا في قولهم آمنا وفي السورة أدلة على ما نقول منها قوله (أن تحبط أعمالكم) فبين به أن رفع الصوت بحضور الرسول يحبط سائر طاعتهم حتى يصيروا كأنهم لم يفعلوها ومنها قوله (إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة) فدل بذلك على ان الفعل لا يحسن إلا مع المعرفة دون أن يتبع في ذلك الفعل قول قائل مع الشك ومنها قوله (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) فدل بذلك على أن في الفسوق ما ليس بكفر وفي العصيان ما ليس بفسق ولو لا ذلك لم نميز بين الثلاثة ومنها ما نجعله أصلا في النهي عن المنكر وهو قوله (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) فأمر بالاصلاح أولا ثم قال (فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) فأمر بالقتال ثانيا ونبه بالطرفين الذين هما الاصلاح والقتال على ما بينهما من الوسائط فان قيل فقد سمى الطائفتين مؤمنين وعندكم أنهما إذا اقتتلا لم يصح ذلك فيهما؟ فجوابنا أنه أثبتهما مؤمنين قبل البغي والقتال لان قوله (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) معناه اختاروا المقاتلة في المستقبل ومنها قوله (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) فدل بذلك على أن الفسق يخرج فاعله من أن يكون مؤمنا ومنها قوله (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان) لأن ذلك يدل على أن الايمان من نعمة الله تعالى من حيث ألطف لنا وسهل سبيلنا إلى فعله.
পৃষ্ঠা ৩৯৬