قالوا في قوله (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) كيف يصح الرجوع الى الله وليس هو في مكان، وجوابنا ان المراد به الرجوع الى الله حيث لا حكم ينفذ الا لله تعالى كما يقال في الخصمين رجع أمرهما الى الحاكم او الى الأمير والمراد انه هو صار المتولي لذلك وقد جرت العادة في الدنيا ان غير الله يملك الأمور بان ملكه الله وفي الآخرة خلاف ذلك وهذه الآية تدل على ان غير الانبياء يجوز أن يقال فيهم صلى الله عليه وسلم لان الله تعالى ذكر في الصابرين على المصائب (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) وان كانت العادة في تعظيم الانبياء قد جرت بان يخصوا بذلك وزجر تعالى عن كتمان الحق زجرا عظيما بقوله (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) وقد قيل ان المراد باللاعنين الملائكة وذلك نهاية الزجر في كتمان الحق. ثم بين أن هذا اللعن يزول بالتوبة فقال (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا ) ما كتموه ونبه تعالى بقوله (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة) على ان من تاب من الكفار خارج عن هذا الحكم وبين تعالى بقوله (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو) ان الواجب في العبادة أن توجه اليه وحده وبين الأدلة عليه وعلى وحدانيته بقوله (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار) فذكر هذه الآيات الدالة على الله تعالى وعلى ان المنفرد بالألوهية وبين في آخره بقوله (إن في ذلك لآية لقوم يعقلون) ان الواجب على العقلاء أن يتدبروا هذه الامور في سائر حالاتهم كما قال تعالى (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا) فالمعلوم ان العبادة بالصلاة والصيام وغيرهما تلزمهم في حال دون حال والعبادة بذكر الله ومعرفته والتفكر في نعمائه والقيام بشكر إفضاله تلزم في كل حال وعلى هذا الوجه قال (أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم) فذم من لم ينظر في هذين أحدهما التفكر في سائر ما خلق ليقرر به توحيده والآخر التفكر في قرب الاجل وللحذر من ترك التوبة والاستعداد فنبه تعالى على وجوب هذين في كل حال يذكرهما المرء.
পৃষ্ঠা ৪০