وربما قيل في قوله تعالى (ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل) كيف يصح ذلك وإنما ذكر تعالى فيه بعض الامثال. وجوابنا ان ذلك مبالغة كقوله تعالى (وأوتيت من كل شيء) ومذهب العرب في ذلك معروف والمراد من كل مثل يحتاج العباد اليه في أمر دينهم وما هذا حاله موجود في القرآن من صفات الامور الدنيوية وصفات الآخرة وغيرهما وقوله تعالى (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) يدل على أنه الفاعل فيصح أن يجادل عن نفسه ولو كان كل تصرف مخلوقا فيه لما صح ذلك وقوله تعالى (وما منع الناس أن يؤمنوا) من أقوى الادلة على ان الايمان فعلهم والامتناع منه كذلك لأنه لا يصح أن يقال للمرء ما منعك أن تكون طويلا صحيحا أو مريضا لما كان ذلك من خلق الله فيه وقوله تعالى من بعد (إذ جاءهم الهدى) يدل على ان الهدى هو البيان والدلالة ويدل على ان الاهتداء بهذا الهدى من قبله وقوله تعالى من بعد (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين) يدل على ان العبد يستحق على فعله الطاعة ما يبشر به من الثواب وعلى المعصية ما ينذر به من العقاب ولو كان الأمر كما يقوله المجبرة في أنه عز وجل يخلق الافعال فيهم وان له أن يعاقب من أطاعه ويثيب من عصاه لما صح ذلك وقوله تعالى (ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق) لا يصح لو لا أن الكفر من قبلهم ولو كان الله هو الخالق له فيهم لكان لهم أن يقولوا لا عيب علينا في ذلك وان كان باطلا لأن الله جل وعز خلقه فينا ولما صح أن يقول تعالى (واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا) وقد منعوا من خلاف ذلك وقوله تعالى من بعد (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها) كيف يصح أن يبالغ تعالى في وصفه بظلم نفسه وهذا الاعراض من قبل الله تعالى ولو شاء خلاف ذلك لما صح وبعد ذلك وصفهم بالاكنة والوقر لما لم يقبلوا ما أمروا به على وجه المبالغة والمراد ان ذلك ما يؤنس منهم ان يختاروه فصاروا بمنزلة ما لا يفقه ولا يسمع ولذلك قال تعالى (وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا) ثم بين تعالى رحمته بتأخير العقاب عنهم وهذه حالتهم فقال (وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب) ولذلك يوصف تعالى بأنه حليم محسن الى من أساء كما أنه محسن الى من أحسن فيمهل ولا يعجل لئلا يكون للمعاصي حجة يتعلق بها وليصح أن يقال له ما أوتيت فيما قدمت عليه الا من قبل نفسك وقوله تعالى (بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا) يدل على ان وعيده تعالى حق لا يقع فيه خلف.
[مسألة]
وربما قيل كيف قال تعالى (فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما) فاضاف النسيان اليهما ثم قال تعالى من بعد (قال لفتاه آتنا غداءنا) ثم قال (فإني نسيت الحوت) حاكيا عن فتاه ثم قال تعالى (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) وذلك كالمتناقض.
وجوابنا انه تعالى أضاف اليهما النسيان لما بلغا مجمع بينهما ثم أضاف ذلك الى الفتى لما جاوزا واذا اختلف الحالان صح وقد يصح فيما تحمله المسافران أن ينسب الحال فيه اليهما لما كان لا يتم ذلك إلا بهما وقوله تعالى (وما أنسانيه إلا الشيطان) دليلنا على ان الفعل للعبد لأنه لو كان خلقا لله تعالى لكان قوله لو قال وما أنسانيه إلا الرحمن أولى وأصوب ومتى قيل النسيان عندكم من فعل الله تعالى فكيف يصح ذلك. فجوابنا ان المراد بالنسيان هنا التقاعد والاهمال وذلك من فعل العبد فعلى هذا الوجه حصلت الاضافة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قال إنك لن تستطيع معي صبرا) كيف قطع في ذلك وهو أمر مستقبل لا يعرفه إلا علام الغيوب.
পৃষ্ঠা ২৪০