============================================================
النسهي شح معالمر العدل والنوحيل وأما ثانيا فلأن مثل هذا السؤال لا يليق بمن أيد بالعصمة، وطهر عن نسبة ما لا يليق بجلال الربوبية، وإنما يحق أن يكون سؤالا لقومه لفرط جهلهم وإعراضهم عن قبول قوله، فأما إضافة السؤال إلى نفسه في قوله: رب أرني أنظر إليك، ففيه مقصد عظيم، وهو أنه إذا منع من الرؤية مع الزلفة العظيمة عند الله وقرب المنزلة فغيره بالمنع أولى، فلو كان سؤال الرؤية لنفسه لأورده الله تعالى على سبيل الزجر والملامة، ولكان مستحقا للتوبيخ والإنكار، كما حكى الله عن قومه في قوله: فقذ سألوا موسى أكبر من ذلك. فأما صعقته وتوبته فما كانتا إلا من أجل استعظام طلب الرؤية وفخامة شأنها لما ظهر من آثارها من الأمور الهائلة كدك الجبل وحصول الصاعقة، كأن الله عز سلطانه حقق أن طلب الرؤية مع استحالتها يشبه إضافة الولد إليه، في قوله: (تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأزض وتخر الجبال هذا(90) أن دعؤا للرحمن ولدا)(1)، ولو كان للمجبرة دربة وفطانة وعلم بأحوال الأنبياء لعلموا أن قوله عليه الصلاة والسلام: رب أرني أنظر إليك. لما فيه من إيهام الجسمية أو العرضية ما كان إلا سؤالا لقومه وترجمة عن مقترحاتهم وحكاية عن جهلهم.
لا يقال: هذا الاختيار يضعف لوجهين: أما أولا فلأنه خلاف الظاهر، فلا يكون مقبولا، لأن الظاهر إضافة الرؤية إلى نفسه في قوله رب أرني، وأضافها الله إليه في جوابه بقوله: لن تراني وأما ثانيا فإذا كان يعلم أن الرؤية مستحيلة على الله تعالى فلم لم يمنع قومه عن سؤالها، ال ويرد عليهم جهلهم ولا يقرهم عليه لما فيه من الخطاب لأنا نقول: أما كونه عدولا عن الظاهر فلا ننكره، ولكن إنما عدلنا عن الظاهر لأن أدلة العقل لا يمكن حملها على غير مدلولها، والظواهر يمكن حملها على غير ظاهرها، فكان التصرف في المحتمل أولى من غير - سورة مريم: آية90 - 91.
পৃষ্ঠা ৩১৮