وقال جماعة الحركات والحروف لم يسبق أحدهما الآخر في الاستعمال، بل استعملا معًا، كالجسم والعرض اللذين لم يسبق أحدهما الآخر.
وقد طعن في هذا القول، فقيل إن السكون في الجسم عرض، وليس السكون في الحرف حركة، فزوال الحركة من الحرف لا يؤديه إلى حركة، زوال العرض من الجسم يؤديه إلى عرض آخر يخلفه، لأن حركة الجسم وسكونه كل واحد منهما عرض يتعاقبان عليه، وليس سكون الحرف حركة.
ألبتة، وبذلك علمنا أن الأجسام كلها محدثة، إذ لا يفارقها المحدث، وهو العرض، وما لم يسبق المحدث فهو محدث مثله، والحرف يخلو من الحركة ويقوم بنفسه، ولا يقال لسكونه حركة.
وأجيب عن هذا بجوابين:
أحدهما: بأن هذا الاعتراض إنما يلزم منه أن لا يشبه الحرف [بالجسم، والحركة بالعرض، وليس ينفي قول من قال إن الحرف] والحركة لم يسبق أحدهما الآخر في الإستعمال، والدليل على صحة هذا القول أن الكلام الذي جيء به للإفهام مبني من الحروف، والحروف إن لم تكن في أول أمرها متحركة فهي ساكنة، والساكن لا يمكن أن يبتدأ به، ولا يمكن أن يتصل به ساكن آخر في سرد الكلام لا فاصل بينهما، فلا بد من كون حركة مع الحرف، لا يتقدم أحدهما على الآخر، إذ لا يمكن وجود حركة على غير حرف.
الثاني: أن الكلام إنما جيء به لتفهم المعاني التي في نفس المتكلم، وبالحركات واختلافها تفهم المعاني، فهي منوطة بالكلام مرتبطة، إذ بها يفرق بين المعاني التي من أجلها جيء بالكلام، وهذا الجواب أولى من غيره.
1 / 77