তামাল্লুক ফরাঁসাওয়্যা আকতার মিসরিয়া

নিকুলা তুর্কি d. 1243 AH
42

তামাল্লুক ফরাঁসাওয়্যা আকতার মিসরিয়া

ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلاد الشامية

জনগুলি

وبينما هو في ذلك الاهتمام لبلوغ المرام، وإذ تقدم عليه شاب قوي الجنان مملوء من الجهل اسمه سليمان، وهو من مدينة حلب الشهبا، قد هزه جنون الصباء، وأوعده بقتل ذلك السلطان حبا بالدين والإيمان، فأخذ يجسره ذلك الأغا المذكور، ويحثه على قضاء هذا الأمر المأثور، ويوعده بما يناله من الإنعامات الوفية من الدولة العلية، وما يحصل له من السرور ومن الاسم المشهور مد الأعوام والدهور، وكان ذلك الشاب ما بلغ من العمر أكثر من أربعة وعشرين سنة، إلا أنه أسد درغام وليث هجام، فسار من القدس على هذا المرام ودخل إلى غزة بنفس معتزة، وهناك اجتمع بأحد من أغاوات الإنكشارية اسمه ياسين أغا من الرجال الحلبية، فحدثه الشاب بما في ضميره من النية من قتل السلطان الفرنساوية، فجسره ياسين أغا على تلك النية، وأعطاه أربعين غرش أسدية، وسار المذكور إلى مدينة مصر الكنانة وفي قلبه الغدر والخيانة، ودخلها في شهر ذي الحجة، ونفسه غير مرتجة، وقطن في جامع الأزهر، وهناك اجتمع بأربعة أنفار من المجاورين وأخبرهم بما في باطنه من الكمين، وطفق يتبع أمير الجيوش من مكان إلى مكان، ويترقب له فرصة من الزمان ليبلغ بها المرام، وحين آن الأوان وسمح العزيز الرحمن، ودنت الآجال واتسع المجال، ركب أمير الجيوش ذات يوم من الجيزة إلى القاهرة، وكان ذلك نهار الإثنين الواقع في 21 محرم سنة 1215 فمن بعد ما لبس الشيخ العريش على القضاوية جال ذلك النهار في مصر مع عساكره القوية، ورجع إلى منزله في موكب عظيم ومحفل جسيم، ودارت المناداة في شوارع القاهرة تنادي حسبما رسم السلطان كليبر سلطان مملكة مصر القاهرة وصاحب الجيوش الظافرة، وكان قط لم ينادوا في شوارع مصر جهارا باسم السلطان إلا لذلك البطل القهار. ثم بعد رجوعه إلى منزله قصد المسير لعند وزيره داماس إذ كان منفردا عن الناس، وقد قدمنا الإيراد أنه كان يحب الانفراد، وعند آخر النهار خرج مع شيخ المهندسين، وقد أجرته الأقدار إلى شرب كاس البوار، وبينما هو منفرد في الجنينة الكاينة بين منزله وبين منزل وزيره داماس، فدخل عليه ذلك الشاب سليمان وكانت عليه ثياب باليات، ومد يده إليه ليستعطي منه صدقة وأعطاه من يده ورقة، فأخذها كليبر من يده، وبينما هو يمعن في قراءتها فانقض عليه ذلك الشاب وضربه بسكين كان محتفظا عليه تحت ثيابه، فجادت الضربة بخاصرته فسقط في الأرض، وصرخ صوتا عظيما، وضربه ثانيا وثالثا ورابعا، وقد سمع صوته كل من كان بالقرب منه، فبادر إليه المهندس وبيده عصاة، فضرب القاتل بها على همامه فجرحه، فهجم سليمان على المهندس وضربه بتلك السكين فجرحه جرحا بليغا، ووقع على الأرض بين ميت وحي، وفر القاتل هاربا.

وعندما سمع داماس الوزير صوت أمير الجيوش بادر مسرعا، فنظر أمير الجيوش ملقى على الأرض طريحا، فحار وصرخ: من فعل بك يا مليح هذا القبيح؟ فرفع يده وأومى القاتل الهارب، وحضرت الصلدات، وداروا حول الجنينة وطفقوا يفتشون، وأي من وجدوه عليه يقبضون، وإذ بامرأة من شباك دلت على القاتل، وكان مختفيا في بعض الدهاليز، فقبضوا عليه ونظروا إلى ثيابه عليهم آثار الدما والسكين معه، وأتوا به فرفعوا جسد أمير الجيوش إلى منزله، واجتمعت الجنرالية والكوميسارية والأوفيسيالية والجرايحية، وبدوا بصب العلاجات، فما مكث غير برهة يسيرة ومات، وصار حزن لا يوصف عند ساير الجيوش الفرنساوية، وبكوا بكاء مرا وعضوا البنان تحسرا وقهرا، وأخذوا يقدحون شررا وينظرون ذكرا ليخرجوا الأحكام بتدوير الحسام في النصارى والإسلام ويقتلوهم على التمام، ولولا تعطف الملك العلام وظهور ذلك الغلام ويتضع النور من الظلام؛ لكان حل بأهالي مصر الويل والإهدام في هؤلاء القوم اللئام الذين لا يعرفون الحلال من الحرام ولا يخشون رب الأنام.

وأما أهالي القاهرة فشملهم خوف عظيم من هؤلاء الجبابرة، واختفت الناس في المنازل والبيوت وأخذتهم البهتة والسكوت، وبقي كل منهم مبهوت في قتل ذلك البهموت، وخافوا أن يكون ذلك الفعل الذميم من سكان تلك الأقاليم، وأن هذا القاتل الشنيع يرمي الناس في هذا المهلك الفظيع والخطب المريع.

وأما الفرنساوية حين وقعوا في هذه البلية أحضروا القاتل سليمان وعذبوه العذاب الشنيع، فقر واعترف بما صنع وأتلف، ومن هو الذي أرسله لهذا الطرف وكيف مشى وتصرف، وقر عن أوليك الأربعة أنفار المجاورين الذين عندهم حقيقة الخبر باليقين، فسارت الصلدات الفرنساوية إليهم بالخفية؛ ليلا يعلموا ويهربوا فدخلوا الجامع وقبضوا على الثلاثة، وهرب الرابع، وأحضروهم وبدوا يعذبونهم ويقررونهم أن معهم خبر هذا القاتل سليمان، وما هو معول عليه من الحرام، وقد نصحوه فلم يسمع كلام، فحكم عليهم الشرع بالموت بعدم تخبيرهم وتحذيرهم، وبرز من الشريعة الفرنساوية أن سليمان القاتل تحرق يده أولا بالنار، ثم يرفعوه على خازوق عال أمام النظار، ثم يقطعوا رأس الثلاثة أنفار ويرفعوهم على مزاريق حول الخازوق.

ثم إن في ثاني الأيام عند الصباح صنعوا الفرنساوية ديوانا عموميا، واختاروا كبير الجنرالية المدعو الجنرال منو، وأقاموه أمير الجيوش عوضا عن المقتول، وبعد ذلك صنعوا ميتما عظيما ومحفلا جسيما، وصنعوا له تابوتا من الرصاص، ووضعوه فيه بعدما جوفوا جسده وحنطوه، وأخذ داماس الوزير قلب الأمير كليبر ووضعه في زجاجة وسكب عليه أرواحا لحفظه من البلاء والفساد، وقد حزن هذا الوزير حزنا مفرطا مع البكا والتعداد، ثم أمر منو أمير الجيوش بنقل جسد سلفه، وحضرت كافة الجنرالية، وباقي حكام الفرنساوية، وجميع العلماء والأعيان، وجم غفير من كل الملل والأديان، وأحضروا خيل الأمير كليبر ثم ألبسوهم الحلل السواد، ووضعوا التابوت فوق عربانه وغطوه بحلة سوداء، ومشت جميع العساكر أمام التابوت وهي منكسة البندق، وركب أمير الجيوش منو مع سواري العساكر، وسار من بركة اليزبكية إلى قصر المعنية ، وجميع العساكر والعلماء والأعيان والحكام وأرباب الديوان ماشين قدام التابوت، والفرنساويون في بكا شديد بحزن مفرط ما عليه من مزيد، وسحبوا القاتل ورفقاءه حفاة عراة مكتوفين قدام التابوت.

وحينما وصلوا أمام القصر أصعدوا القاتل ورفقاءه إلى أعلى الكوم، وحذفوا رءوس أوليك الثلاثة أنفار، ووضعوهم على ثلاثة مزاريق، وأحرقوا يد سليمان القاتل وهو بالحياة، ثم رفعوه على خازوق عال، وركزوا الثلاثة مزاريق حوله، ثم أوقدوا نارا شديدة وأحرقوا بها أجساد أوليك الثلاثة أنفار، ثم أدخلوا التابوت إلى وسط القصر، وعملوا له مصطبة عالية ووضعوه فوقها، وغرسوا حولها أغصانا خضرا، وصعد أمير الجيوش إلى مكان عال، وأخذ يعظ موعظة عظيمة تجعل القلوب كليمة والدموع سجيمة، تتضمن مراثي محزنة والثاهيات الموهنة على مثل هذا البطل الهمام والأسد الباسل الدرغام، الذي قد نشر الأعلام وقهر الأنام وظفر في عسكر الإسلام، وطرد وزير الختام وبدد ذلك الجيش الملتأم، وخلد ذكره مدى الدهور والأيام، ومن بعد إتمام تلك المراثي الموجعة والتعديدات المتنوعة أطلقوا البندق الكثيرة حول التابوت، وبكوا بكاء مرا على هذا البهموت، ثم أقاموا محافظا ليلا ونهارا وفي كل ثلاث ساعات يتغير أحد الصلدات ويأتي غيره إكراما له وإجلالا لقدره. وبعد ذلك رجع أمير الجيوش إلى منزله ببركة اليزبكية، وتفرقت لمنازلها عساكر الفرنساوية.

وكل منهم ملتهب بنيران مهولة بانهدام هذا الركن العظيم ذي الصولة، واستحوذ الحزن والاكتياب على المختصين به من الأحزاب، وتفرقت من ذلك الوقت منهم القلوب بإذن عالم الغيوب.

وأما أمير الجيوش منو فهذا كان من المتقدمين في بلاط ملك باريز السلطان لويس، وحين قتلته المشيخة تبع هذا رأيهم، وحين حضروا للديار المصرية وحصلوا على ذلك التأييد أقامه بونابارته حاكما على رشيد، فمكث هناك مدة وتزوج بامرأة مسلمة شريفة، وادعى بالإسلامية وسمى ذاته عبد الله، وكان متقدما بالعمر ذا احتيال ومكر، ومن بعد تقدمه على العساكر الفرنساوية وارتضوه الجميع شرع يغير في الأحكام والوظايف، وضم إليه حزبا من الفرنساوية، وأضعف أحزاب سالفه القوية، واتكل على تدبيره وقوة بطشه، فتغيرت قلوبهم من ذلك الوقت ، ووقع الاختلاف بين الفرنساوية.

وابتدا ذلك الأمير في التبديل والتغير، وأمر أولا في قفل جامع الأزهر وعقد لذلك ديوانا، وادعى أن هذا المكان ليس هو محلا للدرس والتعليم للفرائض والسنن، بل هو محل لعقد المشورة وإيقاظ الفتن، فأمر بطرد المجاورين وقفل أبوابه أجمعين، ثم أمر بتكميل بناء الأبراج التي كان شرع في بنايها سلفه الأمير كليبر، ثم أمر بتوسيع الطرقات التي داخل القاهرة، وهدم عدة بيوت وشرع بكشف السور الذي كانوا وجدوه من باب النصر لباب الحديد، وهدموا من أمامه ومن ورايه بيوتا عديدة، وأكمل بناء هذا السور وجعل من فوقه ثلاثة أبراج، وهدم جامع الحاكم بأمر الله المشهور في مصر القريب من باب النصر وجعله برجا عظيما، ثم حصن أوليك البروج والأسوار بالمدافع والقنابر الكبار، وأمر الجنرال يعقوب بتكميل السور الذي كان شرع في بنايه بأيام كليبر، وأمر على النصارى الشوام أن يدفعوا ثلاثماية كيس بالتمام، وأحدث على النصارى خراج ثقيلا لم يمر بالأزمنة خراجا أثقل منه، وأفرض أيضا على الإسلام واليهود كذلك، وكان كربا عظيما وظلما عميما، وذلك على الرعايا من جميع الملل، ولولا الرخاء العظيم لكانت خربت من الظلم تلك الأقاليم.

هذا والفرنساوية لم تكل من تعمير الحصون بمدينة القاهرة وفي الإسكندرية، وأصرفوا على ذلك خزاين عظيمة؛ إذ كانوا ناظرين قلة عددهم، وعدم إمدادهم، وكثرة أضدادهم فحصنوا تلك الحصون المنيعة، وأمر أمير الجيوش بإطلاق السيد أحمد المسجون من سلفه الأمير كليبر.

অজানা পৃষ্ঠা