ولما عدد موضوعات هذا العلم، شرع في تحديد الجسم الطبيعي، ولما كان المتصل كالجنس للجسم، إذ كان يشتمل على الزمان والمكان والخط والسطح، وكان وضع حده ضروريا في بيان حد الجسم، وذلك أنه إذا لم بيبن ان كل متصل منقسم، لم يبن ان كل جسم منقسم، ولذلك ابتدأ بحده أولا، ثم أتى بحد الجسم فقال: ان المتصل هو المنقسم إلى أشياء تقبل الانقسام دائما، ووضع هذا من أمر المتصل هاهنا على أنه شيء قد تبين في الكتاب المتقدم. قال: وأما الجسم فهو المنقسم إلى كل الابعاد. ويعني هاهنا بكل الابعاد الابعاد الثلاثة التي هي الطول والعرض والعمق، وذلك ان ما كان من الأعظام ذا بعد واحد فهو الخط، وما كان ذا بعدين فهو السطح. وما كان ذا ثلاثة أبعاد فهو الجسم. ولما كان لا يوجد هاهنا بعد رابع، إذ كان لا يوجد عظم رابع، استعمل قوله: كل الابعاد، مكان الثلاثة الابعاد. وذلك ان الاعظام كلها ثلاثة، وتنفض في ثلاثة، ولذلك اسم الكل والجميع والتام ينطلق على هذا العدد. قال: وقد شهد لذلك آل فوثاغورش، وذلك انهم كانوا يقولون: [2 و] ان الأشياء كلها محصورة في ثلاثة حدود، وتحد بثلاثة، إذ كان الكل والجميع له مبدأ ووسط ومنتهى، وهذا هو أول ولاحق للثلاثة، أعني أن الثلاثة أول الأعداد التي لها مبدأ ومنتهى ووسط. قال: ولكون طبيعة التثليث موجودة في الأشياء بالطبع، ألزمنا أنفسنا تعظيم الاله بهذا العدد، وجعلناه شبه شريعة ⎤شبه⎡ لنا اقتداء بفعل الطبيعة وذلك في التسابيح والقرابين. وقد يدل على ان اسم الكل والجميع لا ينطلق على ما دون الثلاثة، انا نقول في الاثنين: كلاهما، ولا نقول: كلهم. واما في الثلاثة فنقول: كلهم وجميعهم. واذا كان عدد الثلاثة يقال عليه اسم الكل والجميع، وكان هذان يقالان على التام، فعدد الثلاثة عدد تام. فقد تبين من هذا ان اسم الكل والجميع والتام ينطلق على معنى واحد بالصورة. وانما تختلف هذه الأشياء من قبل العنصر، وذلك انه متى كان الموضوع لذلك كمية منفصلة، كان أخص باسم الجميع، ومتى كان كمية متصلة، كان اخص به اسم الكل. ومتى كان الموضوع لهذا المعنى الصورة أو الكيفية، وبالجملة سائر المقولات، كان أخص باسم التمام. وإذا وضع من أمر الجسم انه المنقسم فقط إلى ثلاثة أبعاد، وان سائر الأعظام منها ما ينقسم إلى بعد واحد فقط، ومنها ما ينقسم إلى بعدين، وانه لا يوجد الانقسام إلى ثلاثة أبعاد الا للجسم فقط، ولا يؤخذ عدد الثلاثة إلا في حده فقط فبين من هذا ان الجسم وحده هو التام بين الأعظام، وان الخط والسطح ناقص، إذ كان يوجد في حده هذا العدد الذي هو عدد تام، أعني الثلاثة. وأما الخط والسطح فلما كان المأخوذ في حدهما عدد ناقص كانا ناقصين. الا أنه لما كان هذا البيان مأخوذا من حد الجسم، كان هذا الحد لا يبين وجوده للجسم الا إذا تبين ان كل متصل منقسم، إذ كان كثير من الناس يرون أن هاهنا أجساما وأعظاما غير منقسمة، وكان ذلك غير بين هاهنا بنفسه، وان كان قد تبين ذلك في الكتاب المتقدم، أخذ يبين هذا المعنى هاهنا للجسم، أعني أنه تام، من أمر معروف بنفسه هاهنا لهذه الأعظام، فقال: انه ظاهر من أمر الجسم أنه لا يمكن فيه الانتقال الى جنس آخر من الأعظام بزيادة بعد عليه، كما أمكن في الخط أن ينتقل إلى السطح بزيادة بعد عليه، وأمكن في السطح أن ينتفل إلى الجسم بزيادة بعد عليه أيضا. وإذا كان ذلك كذلك فبين أن مالا يمكن فيه الانتقال، فلا يمكن فيه الزيادة، وما لا تمكن فيه الزيادة فهو تام. وإذا كان ذلك كذلك فالجسم من بين الأعظام هو التام، واما السطح والخط فناقصان.
الجملة الثالثة
ولما تقرر له أن الجسم هو العظم التام، أخذ يبين أن العالم بأسره يوجد له التمام بجهتين: احداهما من حيث هو جسم واحد. والجهة الثانية من حيث انه محيط بجميع أجزائه، وانه ليس يحيط به شيء، إذ كان هذا شأن الكل. فالعالم اذن تام من حيث ليس هو جزءا لشيء، ومن حيث هو جسم، وأجراء العالم تامة، ومن حيث هي أجسام ناقصة، من حيث هي أجزاء. فان الكل كالتمام والصورة للجزء، وسواء كان الكل متناهيا أو غير متناه في وجود هذا المعنى له، أعني أنه ليس من شرط وجود هذا المعنى للكل أن يكون متناهيا أو غير متناه، وسنفحص عن ذلك بعد. فهذه جملة ما صدر به كتابه هذا.
পৃষ্ঠা ৭৬