قال: إن عرضنا أن نذكر فصول الخفيف والثقيل التي بها تفترق هاتان الطبيعتان. ونعرف أسباب الأعراض اللاحقة لها. والوقوف على ذلك لا يكون إلا بأن نضع حدودها الظاهرة المعروفة فنقول: إن الخفيف المطلق هو الطافي فوق جميع الأجسام والثقيل المطلق هو الراسب تحت جميع الأجسام [47 و:ع] وأعني بالمطلق الذي لا يقال بالمقاسية إلى كل واحد من الطرفين بمنزلة الماء الذي يقال فيه إنه خفيف بالإضافة إلى الأرض ثقيل بالإضافة إلى الهواء، وبمنزلة الهواء الذي هو ثقيل بالمقاسية إلى النار خفيف بالمقايسة إلى الماء. فاما [أن] الخفيف المطلق والثقيل المطلق هذه رسومهما فهو ظاهر، واما انه قد توجد أجسام تنطبق عليها هذه الرسوم حتى تكون هذه الأقاويل الشارحة لمعانيها حدودا بينة الوجود وأي هي هذه الأجسام فيظهر هذا بعد. وأما الخفيف الذي يقال فيه خفيف بالإضافة وثقيل بالاضافة فرسمهما أنهما طافيان فوق جسم وراسبان تحت آخر، مثل حال الماء فإنه طاف على الأرض راسب تحت الهواء، فهذه هي الحدود والرسوم التي حد بها أرسطو الخفيف والثقيل. وتامسيطوس يرى أن رسمها بالحركة إلى جهة فوق ⎤ وأسفل⎡ هو الأولى من رسمها بالطفو والرسوب، لأنه قد يوجد ثقيل وخفيف وان لم يرسب الثقيل ولا طفا الخفيف. وقد يظن بارسطو أنه رسمهما قبل في أول المقالة وبعد هذه بهذين الرسمين، وذلك أنه يعترض هذا الرسم انه ان كان الثقيل المطلق هو الراسب تحت جميع الأجسام فقبل أن يرسب الجسم الثقيل بحسبه الأرض ليس يكون ثقيلا وإذا لم يكن ثقيلا لم يكن فيه ميل، وإذا لم يكن فيه ميل لم يمكنه أن يتحرك إلى الموضع الذي يرسب فيه، وبمثل هذا يعترض رسم الخفيف. قال ولذلك كان أولى أن يرسم الخفيف المطلق بأنه المتحرك إلى فوق والثقيل بأنه المتحرك إلى الوسط. قال وهذا الرسم ليس ينفسد بوجود الثقيل منها راسبا تحت جميع الأجسام والخفيف طاف فوق جميع الأجسام، فإنه ليس لها في موضعها ثقل ولا خفة وإنما لها ثقل وخفة في المواضع الخارجة عن مواضعها الطبيعية. وبالجملة فهو يعترض هذا الحد أو الرسم بأمرين: أحدهما أن المحدود يوجد ولا يوجد له هذا الحد، مثل وجود النار خفيفة قبل أن تطفو على جميع الأجسام، والأرض ثقيلة قبل أن ترسب تحت جميع الأجسام . والثاني أن هذا الحد يوجد لها وجودا ما ليس بموجود فيها، فإنه يوجد لها وجود الثقل والخفة في مواضعهما الطبيعية، وذلك مستحيل، واما إذا حدتا، زعم، بالحركة فلم يلزم هذان الاعتراضان وذلك أن الثقل والخفة ترتفع عنهما بارتفاع الحركة ويوجدان بوجودها على ما شأنه أن توجد عليه الفصول المقومة والاعراض الخاصة التي تقام مقام الفصول. فهذه جملة ما يعترض به تامسطيوس في هذه المواضع على أرسطو فنقول نحن: أما [أن ] الحدود المقولة بتقديم تاتلف من جنس وفصل، وأن كل واحد منها غير مفارق للمحدود إذا كان جزءا منه، فذلك أمر قد تبين في كتاب البرهان. واما أنه قد تقام أفعال الشيء الخاصة به مقام فعله في الأشياء التي لم تظهر فصولها كل الظهور، مثلما يقال في حد النخلة انها شجرة تثمر الرطب، فذلك أيضا أمر قد تبين هنالك. و>من< أمثال هذه الحدود انما تستعمل في الأشياء التي ليس يمكن فيها الصنف الأول من الحدود الذي هو أكمل، وإذا أخذ الفعل مكان الفصل فليس يعني به كونه موجودا بالفعل، لأن الفعل يوجد تارة ولا يوجد أخرى، والفصل أو ما يقوم مقامه ليس يفارق، فكان لا تكون النخلة نخلة بحسب رسمها إلا في حين تثمر الرطب لا [أنه] أراد به الاثمار بالفعل، وذلك فاسد، واما [أن] تقام هاهنا مقام الفصول الطبيعية التي صدر عنها ذلك الفعل على الدوام أو لم يصدر. واذا كان ذلك كذلك فمعنى قول أرسطو أن الخفيف هو الذي يطفو فوق جميع الأجسام أي من شأنه أن يطفو لا أنه الطافي بالفعل، كما أن النخلة كما رسمت بأنها التي تثمر الرطب ليس يعني به اثمارها الرطب بالفعل لأنه ما كانت تكون نخلة إلا في ذلك الوقت فقط. فقد تبين من هذا أن هذا المحدود لم يوجد والحد له معدوم، كما زعم تامسيطوس. واما ظنه الطفو والرسوب ليسا فصولا للثقيل والخفيف، إذ كان ليس للاسطقسات ثقل أو خفة في مواضعها وإنما الفصول اللازمة لها الحركة إذ كانت توجد لها في المواضع التي يوجد لها الثقل والخفة، فظن باطل وقول خطأ. وذلك أن الطبيعة التي من شأنها أن ترسب تحت الاجسام أو تطفو فوقها إذا كانت في هذه المواضع هي بعينها [ 47 ظ: ع ] التي من شأنها أن تتحرك إذا كانت خارجة من هذه المواضع وإنما توجد لها الحركة في مواضع. وانما السبب الذي توجد لها الحركة في موضع والسكون في الآخر هي واحدة بعينها غير متبدلة، فإن كنا نعني بالثقيل والخفيف تلك الطبيعة التي هي الثقل والخفة فكيف يقول إنها ليست موجودة للاسطقسات إذا كانت في أماكنها الطبيعية، وإن كنا نعني به الحركة ⎤لا الطبيعة الصادرة عنها الحركة⎡ فعلى هذه الجهة يصدق أن الاسطقسات ليس لها ثقل في مواضعها، أي ليس لها حركة، إلا أنه لم يقصد هاهنا حد الثقيل والخفيف المشتقين من الثقل والخفة المقولين على الحركة بل ان ما قصد حد الثقيل والخفيف المشتقين من الثقل والخفة المقولين على الصورة التي تصدر عنها الحركة على ما قيل في أول هذه المقالة. فقد تبين من هذا أن الحد الذي رسم أرسطو به الثقيل والخفيف ليس يوجد للاسطقسات وجودا ما ليس بموجود، وهو العناد الثاني الذي عاند به تامسطيوس هذا الحد. وإنما كان الثقل والخفة يحرك حينا ولا يحرك آخر، لأنه إذا كان بالقوة أسفل أو فوق حرك من جهة ماهو بالقوة، وإذا كان في هذه المواضع بالفعل لم يحرك لأن الحركة إنما هي كمال ما بالقوة. وإنما رسم أرسطو في أول هذه المقالة الثقيل والخفيف بالحركة لأن هذا الرسم هو أظهر وجودا للاسطقسات من الرسم الثاني وسيستعمله مبدأ برهان لوجود هذا الرسم الثاني لها. وإنما آثر الرسم هاهنا على الرسم الأول لأنه لما ألفي أنه يصدر عن الطبيعة التي قصد رسمها فعلان اثنان: أحدهما يوجد لها في المواضع الطبيعية لها، وهو الطفو والرسوب، والثاني في المواضع غير الطبيعية، آثر رسمها بما يوجد لها في مواضعها الطبيعية لا بما يوجد لها بالعرض وخارجا من مواضعها الطبيعية. ولذلك كان الرسم الذي جعله هاهنا أولى من الرسم الأول بضد ما ظنه تامسطيوس. وأيضا فإن الحركة انما توجد لها وهي بعد ثقيلة بالقوة، وإذا سكنت كانت ثقيلة بالفعل. ومعنى هذا ان هذه الطبيعة لا توجد على كمالها الأخير إلا إذا سكنت في موضعها الطبيعي، لأنه قد تبين أن الأين هو الكمال الأخير لها، فما لم يحصل لها بعد هذا الكمال فهي ناقصة، وفي هذا الوقت تتحرك. فمن حدها بالحركة فقد حدها من حيث هي ناقصة الوجود، ومن حدها بالسكون في موضعها الطبيعي فقد حدها وهي على كمالها الاخير. فقد تبين من هذا القول صحة قول أرسطو وفساد ما اعترض [ به ] عليه تامسطيوس.
الفصل الثاني
পৃষ্ঠা ৩৬৪