7
أشرب كوب القرفة باللبن. تعد لي «فاطمة» الساندوتش الذي سآخذه معي. مربي فراولة بالزبدة. تلفه في ورقة جريدة. تضعه إلى جوار الشنطة فوق المكتب. أرتدي ملابسي. أحمل شنطتي وأترك الساندوتش. يطلب مني أبي أن أرتدي البلوفر لأن الدنيا بردت. يعتدل أبي جالسا. يشكو من تنميل في قدميه. تقرفص «فاطمة» تحت قدميه وتدعكهما له. أغادر الغرفة. أخلع مفتاح الباب وأنا أتابعهما بركن عيني. أضعه في جيبي. أوارب الباب. أفتح باب الشقة. أرهف السمع. لا حركة. يبدأ قلبي في الدق. أغلق الباب بصوت مسموع وأهرع أسفل المائدة. أضع الشنطة أمامي. أسمع صوت إغلاق باب الغرفة. صوت أبي: اقفليه بالمفتاح. صوت «فاطمة»: مش لاقياه. - طيب، مش مهم، تعالي هنا.
أرفع رأسي محاذرا الاصطدام بسطح المائدة السفلي. أفتح الشنطة وأخرج منها كيس الرمل. أنثره على الأرض. أكتب فيه بإصبعي «يا قرشيا شرابيا يهوبيا.» أجلس فوق الرمل. أتحاشى النظر إلى أعشاش الصراصير. أردد بصوت خافت: خذوا أعينهم وأبصارهم واجعلوهم يا خدام هذه الأسماء في بحر من الظلمات حتى لا يروني. صم بكم عمي فهم لا يبصرون. أسكت. أنصت. لا صوت.
أخرج بحذر من تحت المائدة. أترك الشنطة فوق البوفيه وأقترب من باب الغرفة. قلبي يدق في عنف. أضع عيني على ثقب المفتاح. لا أرى شيئا. أدير رأسي وألصق أذني به. لا أسمع شيئا. أعدل وضع نظارتي فوق أنفي. أدير مقبض الباب برفق وأدفعه قليلا. أردد في سري: «يا قرشيا شرابيا يهوبيا.» أخطو داخلا في اطمئنان لأنهم لن يروني. تطالعني مؤخرة أبي العارية بين ساقي «فاطمة» العاريتين المرفوعتين إلى أعلى . راقدة على السرير ورأسها فوق الوسادة. أقترب خطوة. أسمعها تقول: معلهش. الظاهر انت مليكش مزاج. يقترب بفمه من فمها. تزيح فمها جانبا. يحاول تقبيلها. تبدو عليها الدهشة. يقول لها: افتحي بقك. لا تفعل. يقول: امسكيه. تقول: كده؟ يقول: أيوه. تقول بعد لحظة: مفيش فايدة. أقترب أكثر. تلتفت ناحيتي. تصرخ: يا دهوتي. تزيحه جانبا وتبسط ملابسها. تهم جالسة. يلتفت أبي برأسه. يزعق: بتعمل هنا إيه؟ أصيح: ينعل أبوكم.
أستدير مغادرا الغرفة. ألتقط شنطتي من فوق البوفيه. أفتح باب الشقة. أغلقه خلفي بعنف. أخرج إلى الشارع. أعبر عرض الطريق إلى الناحية الأخرى. أمضي في الشارع الجانبي الضيق الموازي لشارع الترام. أبلغ المدرسة عند نهاية تحية العلم. أنضم إلى الطابور أثناء الصعود إلى حجرات الدراسة.
درس اللغة الإنجليزية. ثم درس الطبيعة: خواص السوائل وقاعدة «أرشميدس». ننزل إلى المعمل لنأخذ درس الكيمياء. المحضر غير موجود ومصباح «بنسن» تالف. يشرح لنا المدرس على السبورة تحضير «الأكسجين» من «كلورات البوتاسيوم».
يدق جرس الفسحة الصغيرة. يستعد الأولاد لنزول الفناء. يتجمعون حول «ماهر». شعر رأسه مفروق من الجانب الأيسر. ياقة قميصه الأبيض مفتوحة ومطوية فوق ياقة السترة. يحمل في يده جهازا غريبا. يقول إنه ليس كاميرا وإنما نظارة مجسمة. «ستيريو سكوب فيوماستر». نردد الاسم في صعوبة. يقول إنها تتيح للناظر من فتحتها رؤية الدنيا على حقيقتها. تعرض صورا مجسمة بالألوان الطبيعية لأشهر المعالم والحيوانات. يقترب المدرس ويمد يده ليتناول الجهاز. ينظر في عدسته ثم يقول: ياه. الزرافة زي متكون واقفة قدامنا. يرينا «ماهر» الفتحة التي توضع فيها أقراص الصور. يقول إن هناك 94 قرصا منها 7 مشاهد ملونة. يسأل المدرس عن ثمن الجهاز. يقول «ماهر» بزهو: مائة قرش. - ياه! والأقراص؟ - الواحد بعشرين قرش.
نهبط إلى الفناء. ينادي البواب اسمي. يعطيني لفافة قائلا إن رجلا أسود على دراجة أحضرها. الساندوتش الذي نسيته. يلعب الأولاد بالكرة الشراب. أراقبهم وأنا ألتهم الساندوتش. نحدد مرميا الأهداف بقطع من الطوب. نتجمع حول «مجدي» و«هاني». يقذفان مليما في الهواء. ملك أو كتابة؟ يفوز «هاني» بالملك . يبدأ اختيار أعضاء فريقه. يتصفح الوجوه. يشير بإصبعه. يهرع أحدنا إلى جواره مزهوا. يتلوه «مجدي». تتعلق عيناي بعينيه وهما تمران بنا. لا تتوقفان عندي وإنما تنتقلان لمن يقف إلى جواري. يتواصل اختيار أعضاء الفريقين. لا يتبقى في النهاية سواي. يعد كل كابتن أعضاء فريقه. فريق «رمزي» ينقص واحدا. يشير إلي مستسلما.
يدق الجرس معلنا انتهاء الفسحة. نصعد إلى الفصول. يدخل مدرس اللغة العربية. يشرح لنا الفعل المطلق. يتعجب من غبائي. طرق علي الباب. يبدأ قلبي في الخفقان. يصيح المدرس: ادخل. يدخل مدرس الجغرافيا حاملا خرزانة طويلة. خلفه «لمعي» الوسيم ذو الشفاه الغليظة والوجه المتورد. تقترب قدماه من مكاني وهو يهز الخرزانة. حذاؤه ضخم يكاد ينفجر من الجانبين. يزداد خفقان قلبي. يتجاوزني إلى الصفوف الخلفية التي يجلس بها التلاميذ الكبار والراسبين. ينتقي واحدا ذا رأس مبعجر. يجره إلى مقدمة الفصل. ينهال عليه ضربا بالخرزانة دون كلمة. يتهمه بقلة الأدب وعدم التربية. لا ينبس الولد بآهة ويتحمل العلقة صامتا. يستقر خلف قمطره. يرين علينا جميعا الصمت. لا يعلق مدرس اللغة العربية بشيء. يخرج مدرس الجغرافيا. نستأنف الدرس. نقرأ من كتاب النصوص واحدا بعنوان: «موت محقق ونجاة غريبة.» يؤنبني المدرس على أخطائي في النطق.
تنتهي الحصة. لا يشير أحد منا إلى ما حدث. ننزل إلى قاعة الرسم. المدرس أسمر متوسط القامة نحيلها. ربطة عنقه غير محكمة. عصبي. في يده مجلة «المصور». يقرأ لنا منها قصة ولد عمره 13 سنة: قال لأبيه: عار علينا يا والدي أن نبقى في «دمشق» و«فلسطين» تحترق. سأؤلف فرقة كوماندوز من زملائي الأطفال. ونذهب إلى الميدان. أكبر الأب روح الرجولة المبكرة في نجله فقبله وقال سنذهب سويا يا بني. وليكن أول المنضمين إلى فرقتك أخويك الصغيرين.
অজানা পৃষ্ঠা