يستفسر أبي عن صحة أبيه المعلم «نصحي». يقول إنه لم يره من مدة. يتحاشى الجزار النظر في عيني أبي. يقول: الحمد لله.
أتسلل من جوار أبي. ألف حول الأورمة. يقرب الجزار اللحم من حافتها. يبدأ في لفه بالورق الرمادي السميك. يزيح بيده قطعة فتسقط على الأرض. يتجاهلها. أريد أن ألفت انتباه أبي، لكنه يأخذ لفافة اللحم وأتبعه إلى الطريق.
أذكر له ما رأيت. يضحك ويقول إن الجزارين هكذا، ولا فائدة معهم. يكفي أنه يحصل دائما على القطعة التي يريدها. يقول إنه يتعامل مع أبيه منذ عشرين سنة. يأتيه خصوصا من المنزل الذي ولدت به «نبيلة» في شارع «البراد».
ننتقل إلى حانوت اللبان. نشتري سلطانيتين من المهلبية. نعبر الميدان مرة أخرى. نتمهل أمام عربة تحمل كوما عاليا من الفول الحراتي الأخضر. يسأل أبي عن الثمن. يشتري رطلا. نتجه إلى شارعنا. دكان الخردواتي مغلق. يقول أبي إنه يغلق عادة عند صلاة العشاء.
نلج دكان البقال. الحاج «عبد العليم» خلف مكتب في نهاية الدكان تعلوه صورة كبيرة للملك. نحيف في معطف ثقيل، بني اللون، فوق جلباب من الصوف. حول رقبته كوفية بيضاء وفوق رأسه طربوش. تصدر عنه كل لحظة سعلة مبتسرة. ينهض واقفا ليصافح أبي. يبدو أبي قصيرا إلى جواره. يضع مشترياته فوق المكتب ويجلس على كرسي بجواره. أقف بين ساقيه. أمامي على الحائط لافتة بخط يد ركيك: «الشكك ممنوع والزعل مرفوع».
يوجه أبي التحية إلى «سليم» الواقف خلف منصة البيع . يرتدي جلبابا فوقه معطف أصفر يشبه معاطف السعاة والفراشين. فوق رأسه طاقية صغيرة من الصوف. وجهه شديد الشحوب. يرد التحية بصوت خافت بارد.
يقول «عبد العليم»: الواد «عباس» جاهز، تحب ينقل العفش بكرة؟
يومئ أبي برأسه موافقا: إياك ميكونش اتبهدل من السمنة والزبدة. - لا، أنا كنت حاطط حاجتك على جنب.
ينادي: «عباس»، إنت رحت فين؟ إوعى يكون راح يشرب الهباب اللي بيأربعه.
يظهر رجل أسود حافي القدمين في مدخل الدكان. عيناه حمراوان. يرتدي جلابية وطاقية قذرتين. تنبعث منه رائحة منفرة. يتحرك في بطء. - تنقل باقي عفش «خليل» بيه من المخزن بكرة الصبح.
অজানা পৃষ্ঠা