يدق جرس الباب فأسرع لفتحه. ولدان في سني؛ أحدهما له شعر ناعم مفروق من جهة اليسار، الثاني شديد السمرة يحمل طبلة صغيرة تحت إبطه. أتقدمهما إلى الحجرة. نترك شباشبنا عند الباب. نجلس نحن الثلاثة فوق حافة الفراش. الولدان يتجاهلاني. تعطي لكل واحد منا قطعة جبن «نستله» وبسكوتة ثم قطعة شكولاتة.
أسمع صوت أبي يناديني. أترك كراسة الأغاني فوق السرير وأحمل كتاب الجغرافيا. أخرج إلى الصالة. واقف في مدخل حجرتنا وطربوشه في يده. يتقدمني إلى الداخل. يسألني إذا كنت ذاكرت. أحلف له أني فعلت. يصحبني إلى الكنيف لأتبول. يطلب مني أن أستعد للنوم. أتوسل إليه أن يتركني ألعب عند «ماما تحية». يقول إن الوقت تأخر. أقول: بكره الجمعة. - والعشا؟ - اتعشيت.
يوافق. أجري إليها. ترتدي روبها الأبيض. تقول لي: اسأل أبوك إذا كان يحب يشرب شاي. تغادر الغرفة إلى المطبخ. أهرع إليه وأخاطبه من خلف الباب. يقول لأ. أهتف لها من مدخل الطرقة: لا، مش عايز. أتجه إلى غرفتها. الولد ذو الشعر المفروق أمام الشوفينيرة. يمسك بإصبع الروج. يدهن شفتيه ويتأمل وجهه في المرآة. تحضر «ماما تحية» الشاي. تضحك عندما ترى منظره. تقول له: يخرب عقلك يا واد يا «عفت». دا انت كده بقيت بنت زي القمر. نجلس على الأرض. تصب لنا الشاي في أكواب صغيرة. تستخرج من تحت سريرها رقا ثبتت في جوانبه صاجات نحاسية. تهز الرق فتشخلل الصاجات. تعطيه للولد.
تغني ل «عبد الوهاب»: «ليلنا خمر وأشواق تغني حولنا. يا حبيبي هذه ليلة حبي.» يبدأ الولد الآخر في الدق على الطبلة. يقول لها: ارقصي يا أبلة. تخلع الروب وتتحزم بفوطة بيضاء حول وسطها. تغني: «إنت إنت ومنتش داري.» تحرك جسمها على إيقاع الطبلة والرق. تتأمل خفقان نهديها في افتتان. تمد ساعديها أمامها. تلصق كفيها ببعض. تطرقع بإبهاميها. تقف على أطراف أصابع قدميها. تهز خصرها هزات سريعة متتابعة. تنظر إلي باسمة. تندفع الدماء إلى وجهي.
تكف عن الرقص وهي تلهث من المجهود. تجذب بطانيتين من فوق السرير. تطويهما وتبسطهما على الأرض. نتربع فوقهما. تحضر الكوتشينة. نلعب «الكومي» ثم تقترح أن نلعب «الشايب». تستبعد ثلاث ورقات برسم العجوز. تفنط الورق. تقول: اللي يفضل معاه «الشايب» ينفذ اللي نحكم بيه.
توزع الورق. أسحب ورقة. سبعة قلب. لدي سبعة أخرى. أضعهما معا على الأرض. الولدان يلعبان بسرعة وتمكن. نتطلع إلى وجوه بعضنا البعض. نريد أن نخمن من معه «الشايب». أسحب فيخرج لي . يتناقص الورق بسرعة في أيدينا. يتجمع كله على الأرض. تتبقى معي ورقة «الشايب». نرسم «الحجلة» على الأسفلت بالطباشير. ستة أنهر عرضية واسعة في نهايتها نصف دائرة. أقف على ساق واحدة. أزيح الطوبة فتعبر الخط. أنتقل بنجاح من نهر إلى آخر. يرقبني أبي من النافذة. أبلغ نصف الدائرة وأعلن انتصاري.
تقول: نحكم عليك بإيه؟
يقول «عفت»: يركع على الأرض ويلف حوالينا وهو بيهوهو.
تنظر إلي. تتردد لحظة ثم تقول: لا، يغنيلنا. أقول: معرفش اغني. - وماله. غني «البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي.»
أردد الأغنية دون أن أنجح في تقليد نغمتها.
অজানা পৃষ্ঠা