كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، وفي الصحيح: "إنّما هي أعمالكم أحصيها عليكم ثمّ أوفيكم إيّاها". قالوا: وقد سماها جزاءً وأجرًا وثوابا لأنه شيء يثوب إلى العامل من عمله، أي: يرجع إليه. قالوا: ويدل عليه الموازنة، فلولا تعلّق الثواب بالأعمال عوضًا عليها لم يكن للموازنة معنى.
وهاتان الطائفتان متقابلتان:
فالجبريّة: لم تجعل للأعمال ارتباطا بالجزاء البتّة، وجوّزت أن يعذّب الله من أفنى عمره في الطّاعة، وينعّم من أفنى عمره في مخالفته، وكلاهما سواء بالنسبة إليه، والكل راجع إلى محض المشيئة.
والقدرية: أوجبت عليه ﷾ رعاية المصالح، وجعلت ذلك كله بمحض الأعمال، وأن وصول الثواب إلى العبد بدون عمله فيه تنقيص باحتمال منّة الصدقة عليه بلا ثمن، فجعلوا تفضّله ﷾ على عبده بمنزلة صدقة العبد على العبد، وإعطائه ما يعطيه أجرةً على عمله، أحبّ إلى العبد من أن يعطيه فضلًا منه بلا عمل. ولم يجعلوا للأعمال تأثيرًا في الجزاء البتّة.
والطائفتان منحرفتان عن الصّراط المستقيم، وهو: أن الأعمال أسباب موصلة إلى الثواب، والأعمال الصّالحات من توفيق الله وفضله، وليست قدرًا لجزائه وثوابه، بل غايتها إذا وقعت على أكمل الوجوه أن تكون شكرًا على أحد الأجزاء القليلة من نعمه ﷾، فلو عذّب أهل سمواته وأهل أرضه لعذّبهم وهو غير ظالمٍ، ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيرًا من أعمالهم، وتأمّل قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ مع قوله ﷺ: "لن يدخل أحدٌ
1 / 57