وما أشدّ وحشته منهم، وما أعظم أنسه بالله وفرحه به وطمأنينته وسكونه إليه.
واعلم أن للناس في منفعة العبادة وحكمتها ومقصودها طرقا أربعةً، وهم في ذلك أربعة أصناف:
الصنف الأول: نفاة الحكم والتعليل، الذين يردّون الأمر إلى نفس المشيئة، وصرف الإرادة. فهؤلاء عندهم القيام بها ليس إلاّ لمجرّد الأمر، من غير أن يكون سببا لسعادة في معاش ولا معاد، ولا سببا لنجاة، وإنما القيام بها لمجرّد الأمر ومحض المشيئة، كما قالوا في الخلق: لم يخلق لغايةٍ ولا لعلّةٍ هي المقصودة به، ولا لحكمةٍ تعود إليه منه، وليس في المخلوق أسباب تكون مقتضيات لمسبباتها، وليس في النّار سبب للإحراق، ولا في الماء قوّة الإغراق ولا التّبريد. وهكذا الأمر عندهم سواء، لا فرق بين الخلق والأمر، ولا فرق في نفس الأمر بين المأمور والمحظور، ولكن المشيئة اقتضت أمره بهذا ونهيه عن هذا، من غير أن يقوم بالمأمور صفةٌ تقتضي حسنه، ولا بالمنهي عنه صفةٌ تقتضي قبحه.
ولهذا الأصل لوازمٌ فاسدةٌ، وفروعٌ كثيرةٌ.
1 / 54