عبده الحاجة فيقضيها له وفيها هلاكه، ويكون منعه منها حمايةً له وصيانةً، والمعصوم من عصمه الله، والإنسان على نفسه بصيرة.
وعلامة هذا: أنك ترى من صانه الله من ذلك وهو يجهل حقيقة الأمر، إذا رآه ﷾ يقضي حوائج غيره يسيء ظنّه به تعالى، وقلبه محشو بذلك وهو لا يشعر.
وأمارة ذلك: حمله على الأقدار، وعتابه في الباطن لها، ولقد كشف الله - تعالى - هذا المعنى غاية الكشف في قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الإنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلاّ﴾ أي: ليس كل من أعطيته ونعّمته وخوّلته فقد أكرمته، وما ذاك لكرامته عليّ، ولكنه ابتلاء منَّي وامتحان له، أيشكرني فأعطيه فوق ذلك، أم يكفرني فأسلبه إيّاه وأحوّله عنه لغيره؟، وليس كل من ابتليته فضيّقت عليه رزقه، وجعلته بقدر لا يفضل عنه، فذاك من هوانه عليّ، ولكنه ابتلاء وامتحان منّي له، أيصبر فأعطيه أضعاف ما فاته، أم يسخط فيكون حظّه السّخط؟.
وبالجملة: فأخبر تعالى أن الإكرام والإهانة لا يدوران على المال وسعة الرّزق وتقديره، فإنه ﷾ يوسّع على الكافر لا لكرامته، ويقتر على المؤمن لا لهوانه عليه، وإنّما يكرم ﷾ من يكرم من عباده بأن يوفّقه لمعرفته ومحبّته وعبادته واستعانته، فغاية
1 / 39