دراسة لمسرحية تاجر البندقية
مقدمة المترجم
أشخاص الرواية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
دراسة لمسرحية تاجر البندقية
مقدمة المترجم
অজানা পৃষ্ঠা
أشخاص الرواية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
تاجر البندقية
تاجر البندقية
تأليف
ويليام شكسبير
অজানা পৃষ্ঠা
ترجمة
خليل مطران
دراسة لمسرحية تاجر البندقية
مجمل الرواية
أنطونيو تاجر شريف النفس نزيه الطعمة من تجار البندقية، وقد سميت الرواية باسمه، وعلى الرغم من استقامة الخلق عنده فإن موجة من الحزن تغلب على مزاجه. وقد حاول نفر من أصدقائه - وهم سالانيو وسالارينو وجراتيانو وباسانيو - أن ينزعوا منه هذه النزعة الحزينة بإصفائهم الود إياه.
كان باسانيو أدنى الأصدقاء مرتبة إلى قلب أنطونيو وأصفاهم له ودادا، وهو شاب أعانه شبابه الغض وكرمه الواسع على أن يفقد ثروته.
وكان قلب باسانيو يخفق بحب فتاة ثرية واسعة الميراث اسمها بورسيا، وهبت لها الأقدار من فضائل النفس ومواهب الخلق قدر ما وهبت لها من واسع الثراء. وقد أعانها مالها وفضائل النفس التامة فيها على أن يتقدم لبابها الخطاب من طبقة الأمراء والأشراف ليظفروا بها زوجة نادرة المثال. وكان من خطابها أمير مراكش وهو شاب أسمر الأديم لوحته الشمس في مسقط رأسه، وأمير أراغون، وأمير نابلي، وأمير ألماني، وشريف إنجليزي، ونبيل إسكتلاندي. ودخل باسانيو بين هؤلاء الخطاب المثرين لعله يفوز بالفتاة بورسيا دونهم جميعا.
ولم يكن أمر اختيار زوج من هؤلاء الخطاب موكولا إلى إرادة الفتاة نفسها، ولكن أباها أوصى قبل وفاته أن يكون ذلك إلى اقتراع على صندوق من صناديق ثلاثة: أحدها ذهبي، والآخر فضي، والثالث من مادة الرصاص. وفي هذا الأخير صورة لبورسيا، فمن وقع اختياره من الخطاب على الصندوق الرصاصي كانت الفتاة من نصيبه، وكان جديرا بالاقتران بها.
ودخل باسانيو بين الخطاب وهو مفلس من المال وغني بالحب المعتلج في قلبه، فاضطر أن يقترض المال الذي يتقرب به إلى بورسيا حتى يليق به موضعه بين الخطاب. فلجأ إلى صديقه الوفي أنطونيو - أو تاجر البندقية - الذي كانت أمواله وعروضه كلها على سفنه وفلكه المشحون فيها وراء البحار. فاضطر أنطونيو - وفاء بحق، صديقه باسانيو - أن يقترض المال باسمه من يهودي في مدينة البندقية اسمه شيلوك. وقبل أنطونيو الوفي شرطا وضعه اليهودي في الصك، وهو أنه إذا فات الأجل المضروب لوفاء الدين استحق شيلوك اليهودي على أنطونيو المسيحي أن يقتطع رطلا من اللحم من صدره ... وقد رضي أنطونيو بهذا الشرط القاسي الوحشي قياما بحق صداقة باسانيو عليه. ورضي أن يقترض من شيلوك على الرغم من كراهته له واحتقاره إياه، لأنه كان نهازا لسماحة النصارى من أهل البندقية الذين كثيرا ما أوذوا من رباه الفاحش.
وتقدم باسانيو ليخطب بورسيا على الطريقة التي أوصى بها أبوها الميت من الاقتراع على الصناديق. وقد أدنى الطمع الخطاب من الصندوق الذهبي أو الفضي فباءوا بالخيبة في خيرة لم يكن لهم فيها الخير ... وكأنما ألهم باسانيو الخير الذي شاءه الله له - كما تقضي بذلك حبكة الرواية - فوقع اختياره على الصندوق الرصاصي الذي يبشر مختاره بقبوله زوجا لهذه الفتاة الثرية العاقلة.
অজানা পৃষ্ঠা
وبينما باسانيو في نشوة أفراحه لخروج الاقتراع على ما يهواه، ولظفره بفتاة أحلامه إذا به يعلم أن خسرانا كبيرا قد حل بعروض أنطونيو وأن سفنه قد تعرضت لثورة البحار، وأنه أصبح بذلك عاجزا عن الوفاء بدين اليهودي في أجله. وأن اليهودي قد أمعن في المطالبة بتنفيذ حرفية الصك - أي اقتطاع رطل من اللحم من جسد أنطونيو - ما دام قد فات أوان أداء الدين.
وترك باسانيو عروسه الجميلة في زحمة الأفراح بالزواج منها، مصمما على أن يخلص حياة صديقه الوفي أنطونيو من يد شيلوك اليهودي الذي لا يرحم، ولو كان في ذلك حتفه هو. لأنه لا ينسى أن أنطونيو استدان المال من اليهودي لأجله هو لا لأجل نفسه.
ولما علمت بروسيا بالأمر كله وطدت عزمها على أن تدافع عن أنطونيو وأن تخلصه من المحنة التي وقع فيها مع شيلوك المصمم على الوفاء بشرط الصك، وهو اقتطاع رطل من لحم أنطونيو الذي لا ينفعه الآن في نظر اليهودي مال مهما طال ...
وتنكرت بورسيا في زى محام من الفتيان وأجادت الدفاع عن أنطونيو الذي لم يعرفها، كما لم يعرفها زوجها باسانيو، لأنها كانت متنكرة. واستطاعت في ذكاء وحسن حيلة أن تحيل شيلوك اليهودي إلى راج ذليل ... فقد استعملت شرط اقتطاع اللحم ضده، مصممة على أن يكون اللحم بلا قطرة من دم، تمشيا مع حرفية النص الذي ينص على أن رطل اللحم بلا دم ... وهكذا كان القانون على شيلوك لا له، واضطرته بورسيا - وهي في ثوب فتى محام - أن يكتب أمام دوق البندقية عهدا على نفسه بأن ينزل عن كل ثروته يوم وفاته لابنته جسيكا التي كانت سرقت قسطا من ذهب أبيها وأثمن جواهره وهربت بها مع عشيقها المسيحي لورنزو وهو واحد من أصدقاء أنطونيو.
ومن عجب أن يعيش لورنزو وجسيكا بنت شيلوك في بيت بورسيا الضخم خلال اشتغال هذه بالدفاع - متنكرة - عن أنطونيو أمام محكمة البندقية وعلى مشهد من الدوق.
وبعد انتهاء المحاكمة إلى المصير الذي صارت إليه بخيبة شيلوك اليهودي وخسرانه وفقدانه ثروته، وصيرورته مدينا ذليلا محروما بعد أن كان دائنا طاغيا متجبرا - بعد هذا تنتهي الرواية بوصول أوثق الأخبار عن نجاة سفن أنطونيو مما قد أشيع عن هلاكها، وتختم المسرحية ختاما سعيدا يجتمع فيه الأزواج باسانيو وبورسيا، ولورنزو وجسيكا، كما يلتقي معهم صديقهم الوفي أنطونيو الذي عادت إليه سفنه وأمواله سليمة صحيحة، كما عادت إلى جسيكا - ابنة شيلوك وزوجة لورنزو - أموال أبيها شيلوك الذي تمثلت في جشعه وحقده وفساد طبعه وقساوة قلبه حفنة من أخلاق قومه ...
منابع هذه الرواية
قصة تاجر البندقية منسوجة من خيوط متنوعة قديمة قدم الطبيعة البشرية، حتى ليؤكد مؤرخو الأدب الإنجليزي أن هيكل الرواية كله ليس لشكسبير فيه إلا فضل الحبكة الفنية. فإن حكاية الاقتراع على الصناديق، وحكاية اقتطاع رطل من اللحم البشري مما يرتد إلى أصول تاريخية قديمة من المحتمل أن تكون شرقية. على أن حكاية الصناديق - كما جاءت في مسرحية تاجر البندقية - موجودة في مجموعة لاتينية من القصص تسمى: “Gesta Romanorum”
جمعت في سنة 1300. وقد ترجمت إلى الإنجليزية وطبعت بوساطة “Wynkiv de Worde” ، وكانت شائعة بين الإنجليز في عصر أليصابات إلى حد أنها طبعت ست مرات بين سني 1577 و1601، أي في شباب الشاعر شكسبير.
أما حكاية اقتطاع رطل من لحم الإنسان فهي موجودة في الأساطير الآرية وفي الأدب الشرقي جملة والمصري القديم خاصة. وقد ظهرت في الأدب الإنجليزي في قصيدة “Cursor Mundi”
অজানা পৃষ্ঠা
سنة 1320، وهي قصة دينية شرط فيها اقتطاع بضعة من اللحم من غير أن تراق قطرة من الدم. ولعل مرد هذا الجزاء القاسي إلى القانون الروماني العنيف الذي يعطي الدائن حق اقتطاع فلذة من لحم المدين ... ولقد ظهرت قبل شكسبير قصص لا بأس بعددها تروى فيها حكاية الرطل من اللحم البشري كالقصة التي كتبها بالفرنسية «ألكسندر سلفاين» وترجمها إلى الإنجليزية “L. P. London”
سنة 1596. ولعل أقرب هذه الحكايات شبها بحكاية شكسبير في مسرحيته تاجر البندقية هي حكاية “Pecorone”
التي أوردها “Giovanni Fiorention”
في مجموعته القصصية سنة 1378 - أي بعد وفاة الكاتب الإيطالي الشهير «بوكاسيو» بثلاث سنوات.
أما حكاية هرب جسيكا بنت شيلوك بعد أن سرقت بضعة من مال أبيها وجواهره فيمكن أن ترتد إلى أصل إيطالي في القرن الرابع عشر، وذلك في رواية نوفلينو لسالرنو، فهي تحدثنا عن ابنة ثري بخيل من أهل نابلي، سرقت جواهر أبيها واتخذت سبيلها في الأرض هربا مع عاشقها ... على أنها بعد ذلك حكاية شائعة في ممالك الأرض جميعا.
على أن الفكرة الرئيسية في رواية «تاجر البندقية» يقال إنها مأخوذة من «ملهاة البندقية» التي يزعم “Fleay”
أنها الأثر الأدبي الضائع للكاتب
Dekker
والتي كان اسمها «يهودي البندقية». ومهما يكن من أمر مصادر الحكايات التي اشتملت عليها مسرحية شكسبير فإن شاعر الإنسانية الذي لا يدانى قد خلع عليها من عبقريته ومن روحه ومن سحر لغته ما جعلها رائعة عالمية فوق مناط الحكايات والأقاصيص.
البناء المسرحى ووحدة الزمان والمكان
অজানা পৃষ্ঠা
إذا كنا نسلم بالعناصر الرئيسية التي وضعها أهل الخبرة للمسرح بعد طويل من التجارب، والتي بنوها على المفتتح، وابتداء العقدة، ونقطة التحول، وانحدار نحو الختام، والخاتمة، فإنه من المسلم به أن خاتمة المأساة تنتهي بصراع البطل ضد قوات معادية، وينتهي الصراع بهزيمة البطل، على حين ينتهي في الملهاة بانتصاره. وعلى ضوء هذه المبادئ نقول: إن «مسرحية تاجر البندقية» هي ملهاة ينتصر فيها أنطونيو علي كل الصعوبات التي اعترضت سبيله. فعلى حين تتأزم الأمور أمام أنطونيو ويعجز عن الوفاء بدين شيلوك في موعده، وتأتيه أخبار الخسارة لعروضه وأمواله وسفنه في الساعة التي يفرح فيها باسانيو بزواجه من بورسيا - على حين يحدث ذلك إذا بالمحاكمة تبدأ، وإذا بالفتاة الثرية العاقلة بورسيا تحول القانون في براعة وحذق إلى صدر شيلوك، فتختلط المأساة الفرعية العارضة بالملهاة الأصيلة، وينتهي ذلك كله بالنهاية السعيدة على نغمات الموسيقى، وفي سفور القمر المطل المضيء على قصر بورسيا بمدينة بلمونت.
ولقد نحى شكسبير وحدة الزمان والمكان جانبا في هذه المسرحية، وجرى على وحدة أكمل وأتم - هي وحدة الحياة. وبذلك سار على طريقة ابتداعية خالف بها المذهب الاتباعي القديم «الكلاسيكي».
وتستغرق هذه المسرحية في مقياس الزمان ربع عام تدور فيه الأحداث مدارها، ولكنها تبدو لنا حين نسمعها أو نقرؤها أنها تدور في ساعات قصار ... على حين تنتقل المشاهد من مدينة البندقية إلى مدينة بلمونت طردا وعكسا. وهنا يحق لنا أن نقول مع القائلين: إن الوقت عند شكسبير مستقل كل الاستقلال، أو غني كل الغنى عن الساعات والتقاويم ...
أشخاص المسرحية
ليس مبالغة في القول أن نقول إن مسرحية «تاجر البندقية» غنية غنى وافرا في شخصياتها. وهو غنى ليس في الكم وحده، ولكنه يضيف إلى الكيف ما يجعل هذه الرائعة واحدة من أجمل روائع شكسبير. ولقد قسم الشاعر الإنساني أشخاص روايته إلى مجموعات متشابهة أو غير متشابهة ولكنها محكمة الاختيار إلى حد يجعل كل واحدة منها قائمة واضحة المعالم، ثابتة في المكان الذي اختاره لها المؤلف، بحيث لا يختلف وضع مع وضع، ولا يتنافر شيء مع شيء ... فهناك مجموعة يتوسط عقدها تاجر البندقية - أنطونيو - وهناك مجموعة يتوسطها شيلوك، ومجموعة تتوسطها الفتاة الثرية العاقلة الحصيفة بورسيا. على أنه ليس من الإنصاف ونحن في معرض تحليل شخصيات المسرحية أن نغفل الإشارة إلى جسيكا بنت شيلوك وهي التي شغفها الفتى المسيحي لورنزو حبا، فهربت معه بما حملته من أموال أبيها البخيل وجواهره. وهما شخصان ذوا دورين عارضين في الرواية، إلا أنهما يكبران شيئا في خلال المسرحية حتى يبدوا من أهم عناصرها. ولنبدأ بشخصية:
أنطونيو
هو شخصية هامة جذابة في المسرحية، وفي طيبة طبعه وسلامة نفسه ما يجعل منه بطلا طيبا إذا وزن بمقابله شيلوك. ويبدو على ملامح وجهه الطيب ما يبين عن أنه مثقل النفس بهموم ثقال، فهو حزين في أول مشهد من المسرحية حزنا لم يستطع أن يكشف عن أسبابه لصديقيه سالارينو وسالانيو، فقد ظنا أن به لوعة من وجد أو خوفا من توقع خسارة في تجارته. إلا أن سمات الكآبة البادية غالبا على وجهه لم تستطع أن تغير شيئا من كرم نفسه ورفيع صفاته. فهو جواد بأعز ما يملك، لا يضن بمذخور التلاد على أصدقائه، فهو صبور في المحن، عاف عن الزلات، حر حين يحب، وصريح حين يكره، وهو يحب المال لا لذات المال، ولكن ليعين به صديقا أو يسعف به مكروبا. ألم تدفعه المروءة إلى أن يضمن صديقه باسانيو عند اليهودي شيلوك الذي أقرضه المال على شرط أن يأخذ رطل لحم من جسمه إذا فات موعد وفاء الدين ولم يستطع المدين وفاء؟ وقد ظل أنطونيو طول المسرحية طيبا من جميع نواحيه، إلا أنه كان شديد الوطأة في حملاته اللسانية على شيلوك اليهودي حين كان ينعته بأشنع الأوصاف وأقذر النعوت، وحين أعلن أمام دوق البندقية أنه تهيأ صابرا لما ترميه به نفس شيلوك الخبيثة من الرزايا. ولقد استسلم أنطونيو للمصير الذي يريده به اليهودي من قطع رطل من اللحم من جسمه، وتمنى - في غير سخط ولا جزع - لو حضر صديقه باسانيو ليرى بعينيه كيف جاد بحياته في سبيل الوفاء بدينه. وهنا يتغير موقف المخاصمة والمحاكمة بين شيلوك وأنطونيو حينما تتولى بورسيا الدفاع عن أنطونيو، فتجعل من حرفية القانون سلاحا ضد شيلوك بدلا من أن يكون سلاحا في يديه. وتنجلي هذه الغمرات كلها ضد أنطونيو عن انتصاره وانتصار صديقه باسانيو، كما تنجلي عن سلامة سفنه التي أشيع أنها كانت قد صارت إلى هلاك في عرض البحار.
باسانيو
هو صديق أنطونيو الذي اقترض له المال بضمانته من شيلوك، وكان باسانيو بحاجة إلى المال ليتقدم به إلى خطبة الفتاة الوارثة الجميلة بورسيا، فكل محنة لقيها أنطونيو كانت من أجل باسانيو. وكان كل شيء في المسرحية ينبئ بأن باسانيو هو المقدور أن يكون زوجا لبورسيا الجميلة على الرغم من ازدحام الخطاب من الأمراء على بابها، فجاء اقتراع الصناديق من نصيبه مؤيدا لاختيار بورسيا لو كان لها وحدها الخيار. فهو فتى سري النفس نظيف السلوك. وهو فوق ذلك رقيق الحس. ما كاد يعلم - وهو في مباهج العرس بزواجه من بورسيا - بأزمة أنطونيو وإلحاح اليهودي عليه بتنفيذ الشرط في اقتطاع رطل اللحم من جسمه، حتى ترك زوجه الجميلة في ليلة عرسها وخف إلى مكان المحاكمة لعله يفتديه أو يسعفه بالمال الكثير الذي أمدته به بورسيا لو أمعن اليهودي شيلوك وغالى في المطالبة بمال بدلا من رطل اللحم ...
بورسيا
অজানা পৃষ্ঠা
هي الفتاة الوارثة الثرية، التي أراد لها أبوها قبل أن يموت أن تتزوج عن طريق الاقتراع على صناديق ثلاثة: أحدها ذهبي، والثاني فضي، والثالث رصاصي. فلم يكن اختيار بعلها لها، وإنما لما تحكم به القرعة بين الخطاب الكثر الذين تقدموا لخطبتها. وقد كانت ترى مما يشق عليها أن تكون فتاة عاقلة مثلها غير قادرة على قبول من تحب، أو رفض من لا تحب. وكأنما الأقدار السعيدة كانت تهيئ لها السعادة حينما وقع اختيار الشاب باسانيو على الصندوق الرصاصي الرابح. ولكن باسانيو فقير لا يقوى على منافسة الخطاب الأثرياء، فلجأ إلى صديقه أنطونيو - تاجر البندقية - ليقرضه المال. ولكن أنطونيو - في غمرة من الضيق المالي - لجأ إلى اليهودي شيلوك الجشع الحقود. وما كادت بورسيا تعلم بمحنة أنطونيو حين عجز عن وفاء الدين في أجله، حتى همت لتنقذ أنطونيو من تصميم اليهودي شيلوك على تنفيذ الشرط القاضي باقتطاع رطل لحم من جسده. إن أنطونيو قد أسلف لها يدا غير مباشرة حين ضمن القرض الذي أخذه باسانيو ليتقدم إلى خطبتها، فكيف تقصر الآن عن معونته في النكبة التي مني بها أمام شيلوك؟ لقد تنكرت في زى محام شاب لتدافع عن أنطونيو وتنقذ حياته من يد اليهودي العنيد الحقود. ولقد كان موقعها في المدافعة أمام دوق البندقية موقعا اختلط فيه الشعر بالفلسفة. وامتزج فيه الوقار الرصين بالسخرية اللاذعة. وما أروعها وهي تلجأ إلى لغة الشعر لتتحدث عن الرحمة حديثا تحاول أن تلين به قلب اليهودي الذي قد من صخر! وما أذكاها وهي تحول القانون ضد شيلوك! فإنها اشترطت عليه أن يقطع اللحم من جسم أنطونيو بلا قطرة من دم، وإلا قضى عليه قانون البندقية بمصادرة أمواله وأملاكه، وهنا اضطر شيلوك - مكرها - إلى أن يرضى بأن يرد إليه أصل قرضه من غير تنفيذ لشرط اللحم! ولكنه في النهاية خسر قرضه، وخسر ماله كله الذي ذهب إلى ابنته جسيكا وزوجها لورنزو ... ولقد بلغ من حكمة بورسيا أن الكاتبة المسز جايمسون قالت: «إن شكسبير هو الفنان الوحيد - بجانب الطبيعة - الذي يستطيع أن يحيل النساء عاقلات حكيمات من غير حاجة إلى أن يجعل منهن رجالا.»
شيلوك
إذا كانت بورسيا هي جمال هذه المسرحية فإن شيلوك اليهودي الجشع هو سر القوة الكامنة فيها. وقد حاول شكسبير أن يجمع كل خصائص اليهود وصفاتهم العامة في شخصية شيلوك، الذي يمثل الشعب اليهودي أصدق تمثيل. ففيه منهم تلك الكبرياء العاتية التي لم تقف لحظة خلال العصور عن أن تثير العداوات، وفيه ذلك الشح المفرط الذي يقود إلى الجشع البغيض، وفيه منهم ذلك الضعف والذلة. فهو في الحق نموذج من آلام اليهود وكراهيتهم. وقد كان هو نفسه موضعا للازدراء الشديد والإهانات المتصلة من المحيطين به من مسيحي البندقية.
وكان له بينهم أعداء يرى نفسه أكبر من مصالحتهم، وإن كان أضعف من مقاومتهم. على أنه فوق ذلك لم يكن في يهوديته بأكثر منه في شيلوكيته ... فله من السمات الخاصة ما يزيد على سمات قومه ...
ولقد صوره شكسبير حقودا منتقما أكثر منه طماعا جشعا؛ فإن الحقد كان يجري في مفاصله مجرى الدم ... فقد أنساه حقده حب المال وهو يخاصم أنطونيو أمام دوق البندقية، حتى لقد رفض أن يدفع له دينه أضعافا مضاعفة لقاء أن يشفي حقده باقتطاع رطل من اللحم من جسد أنطونيو. وكل ذنب أنطونيو لديه أنه رجل تجمعت فيه أكرم خلال المسيحية - أو الإنسانية - فهو مسماح كريم منجد مغيث للملهوف لا يقرض بالربا مطلقا ولا يتعامل به. حتى لقد قال عنه الناقد الأديب “H. N. Hudson” :
لما كان الجشع والحرص هما هوى نفسه الذي تحكم فيه فإن الفضائل المسيحية التي لا تتفق مع ذلك بدت في عينيه من أكبر الذنوب.
ولقد بلغت شهوة المال والحرص عند شيلوك حدا جعلت منة شخصا بليد الحس، وضيع النفس. فلم يحزنه شيء حينما فرت ابنته جسيكا مع عاشقها المسيحي لورنزو أكثر من حزنه على المال الذي هربت به ... كأن الشرف عنده شيء لا اعتبار له بجانب المال. ويقول حينما علم نبأ هروبها بالمال والمصوغ: «من لي بابنتي ميتة عند قدمي، والماستان في أذنيها؟!»
وبلغ من بلادة حسه أنه ألف أن يسمع أفحش الطعن فيه فلا يتحرك ولا يثور، ولا يبدي آية من آيات الغضب. وكثيرا ما ندد به أنطونيو وباسانيو وأصدقاؤهما فلم يبد عليه أنه سمع من واحد منهم كلمة ... ويتمتع شيلوك - لو صح هذا التعبير - بنصيب كبير من المكر والخبث الذي بدا جليا في المحاورة بينه وبين أنطونيو وباسانيو، حينما جاءاه لطلب القرض منه. كما بدا جليا في المحاورة بينه وبين سالانيو وسالارينو حينما فات أجل الدين وحق تنفيذ الشرط القاضي على أنطونيو باقتطاع رطل من لحم جسده.
وإذا جاز لنا هنا أن نعود مرة أخرى إلى حقد شيلوك فإنه كان حاقدا على المسيحية بحكم يهوديته، وكان حاقدا على أنطونيو لأنه كان يسخر منه من ناحية، ولأنه كان تاجرا شريفا نجدا غير مراب ولا حريص على مال، وكان حاقدا على لورنزو المسيحي صديق باسانيو لأنه أغرى ابنته جسيكا بمغريات الحب فهربت معه من بيت أبيها شيلوك حاملة معها ما حملت من ذهبه ومصوغاته.
ولقد ضاع ذلك اليهودي التاعس في نهاية الخصومة بينه وبين أنطونيو ضياعا ماديا لا قيامة له بعده ... بفضل براعة بورسيا في الدفاع. فضاعت أمواله كلها التي أنفق الساعات في جمعها لتذهب إلى لورنزو المسيحي الذي تزوج بابنته جسيكا. وعاد من صفقة القرض التي كان يحسبها رابحة بأفدح خسران ...
অজানা পৃষ্ঠা
ولقد بلغ من خطر الدور الذي قام به شيلوك أن المسرحية كادت تسمى باسمه بدلا من اسم أنطونيو تاجر البندقية. فقد وجد في أحد السجلات القديمة “Stationers Registers”
تعريف بهذه المسرحية هكذا: «هذا كتاب تاجر البندقية، أو كما يسمى باسم آخر: يهودي البندقية.» ولقد يدلنا هذا النقش الوثيق على أن شكسبير كان في شك من أن يسمي مسرحيته بإحدى التسميتين نسبة إلى أنطونيو أو شيلوك. وأيا ما كان الأمر فإن شيلوك هو «شخصية» هذه المسرحية، وما عداه من الشخصيات فتبع له. ولكن أنطونيو من ناحية الدراما هو شخصية هذه الرواية، فلولاه ما كان لشيلوك ظهور ...
جسيكا
ابنة شيلوك اليهودي، ولكنها لا تبدو في أي موقف من مواقفها في المسرحية على صورة تنفر القارئ أو المشاهد، فقد اجتمع لها من اللطف والوداعة والجمال ما ينسينا كثيرا من سيئات أبيها، حتى لقد يظن الظان أنها ليست من طينته، ولا من ديانته، فهي كما يقول سالارينو مخاطبا شيلوك بعد حادثة هربها: «بين دمك ودمها من البون مثل ما يختلف النبيذ الأحمر عن النبيذ الأبيض!»
على أن فرار جسيكا في ذاته مع عشيقها المسيحي لورنزو قد يحملنا على فرض احتمالين لا ثالث لهما: فإما أن تكون الفتاة فتاة غير طيبة، وإما أن يكون أبوها غير طيب. وخاصة بعد أن سرقت معها جمهرة من مال أبيها، ولكننا حين نلتمس لها العذر في الفرار من بيت ضرب الشح والحرص والتقتير عليه بجرانه، فإننا لا نعفيها من بعض اللوم على سلوكها هذا. ومن عجب أن هذه الفتاة المحرومة قد آلت إليها أموال أبيها شيلوك بعد أن خسر قضيته مع أنطونيو. وصار مصيدا بعد أن كان طالب صيد ...
لورانزو
هو عاشق جسيكا ابنة شيلوك اليهودي. وقد هرب بها في ليلة كان أبوها فيها مدعوا إلى حفل تنكري. وساعده على الهرب بها وبالمال الذي حملته جراتيانو وسالارينو، وهما من أصدقاء أنطونيو وباسانيو، وكأنما كان شيلوك يحس بما سيحدث تلك الليلة، فقد خاطب ابنته موصيا إياها بتغليق الأبواب وإحكامها وحذرها أن تذهب إلى النافذة لتطل منها ... ومن عجب أن تهرب جسيكا مع لورنزو إلى بيت بورسيا وزوجها باسانيو، وأن يتولى العاشقان الهاربان الإشراف على هذا القصر حتى تعود بورسيا منجزة مهمة دفاعها النبيل عن أنطونيو وهي متنكرة في بزة فتى من أقدر المحامين.
بقيت بعد هذا شخصيات جراتيانو وسالارينو وهما من أصدقاء أنطونيو وباسانيو. وقد بلغ بهما صدق المودة وخلوص الحب حدا يضمهما في إطار فريد نادر من الصداقة التي تجلى مثلها الرفيع في أنطونيو.
أما طوبال اليهودي صديق شيلوك فهو شخصية ثانوية الأهمية، ولكنه على كل حال كان يحمل إلى شيلوك أطرف الأخبار وأسوأها ... حمل إليه نبأ خسارة سفينة من سفن أنطونيو، كما حمل إليه في اللحظة عينها نبأ عن ابنته الهاربة جسيكا أنها أنفقت ثمانين دوقية ذهبية في ليلة واحدة بمدينة جنوا ... ويا للمفارقة بين النبأين!
أما شخصية لنسلو جوبو فهي شخصية تعتمد على عنصر الضحك والغرابة. لقد كان في خدمة شيلوك اليهودي، ولكنه وجد من سوء عشرته ما لا يطمع بالبقاء عنده، فتركه إلى خدمة باسانيو. والحق أن بيت شيلوك كان يشبه قطعة من الجحيم ... ولقد عبرت عن ذلك جسيكا ابنة شيلوك حين خاطبت لنسلو جوبو قائلة: «أنا متكدرة لتركك أبي، وستكون لك وحشة في هذا البيت الجهنمي.» ولقد انتقل لنسلو إلى بيت باسانيو - أو إلى قصر بورسيا - حيث أوت إليه جسيكا مع عشيقها وزوجها لورنزو، وحيث صارت إليها ثروة أبيها شيلوك وأمواله الواسعة ...
অজানা পৃষ্ঠা
مقدمة المترجم
أصل هذه القصة أحدوثة، وما أصغرها من أحدوثة، جرت على الألسنة في إيطاليا وتداولتها نقلا عنها سائر الأمم: محصلها أن فتاة ذات مال وافر وجمال باهر وعقل كالكوكب الزاهر، كان قد مات عنها أبواها، فخطبها إلى نفسها ملك مراكش وأمير أراغون في جملة النبهاء ممن خطبها. ولكنها مالت إلى شاب رقيق الحال من مسقط رأسها ومن بني جنسها، استدان المال الذي أنفقه في الزلفى إليها بضمان صديق له فقير مثله، رهن لليهودي الذي أقرض ذلك المال رطلا من لحم صدره. فاستخارت الفتاة الله في مستقبلها، وناطت أمرها بثلاثة صناديق: ذهبي وفضي ورصاصي، جعلت في الأول منها جمجمة ميت، وفي الثانى رأس هزأة أبله، وفي الثالث رسمها، فمن اختار من الخطاب الصندوق الذي فيه رسمها أصبحت له حليلة. وقد جاء في هذه الحكاية ما يجيء عادة في كل حكاية من أمثالها: أن حبيب الفتاة هو الذي ألهم الصواب، ففرحت به، واحتالت لإنقاذ صديقه من تبعة ضمانه لليهودي، بأن تزيت بزي عالم قانوني، وقضت على المرابي.
طالع شكسبير هذه الأسطورة من أساطير السذج في تلك الأيام، فما أجالها إجالة في ذهنه المبتدع حتى بدأ بها فصورها جملة في أحسن ظروف الحياة زمانا ومكانا على كل وجوهها، وقيد أوابد الشكل من كل نواحي الفن وفي كل مراميه، جامعا في ذلك كافة بين المبكي والمضحك جمعا خلابا غريبا، مازجا ما يغضب وما يرضي أو ما يسوء وما يسر مزجا رائعا عجيبا.
اقرأ رعاك الله هذه القصة على النحو الذي نحاه شكسبير في جعلها حكاية عن الحقيقة تتبين عجبا عجابا. وأي عجب عجاب كإخراجه من تلك الأنقاض المتداعية المتدابرة غير المتماسكة أنقاض الأسطورة العتيقة صرحا أيدا مشيدا ليس في جملته ولا في تفصيله إلا أفانين صادقة من الحوادث الإنسانية بمقدماتها ونتائجها التي هي أبدا قديمة وأبدا جديدة.
الآن أصبحت تلك القصة ولا موضع فيها لسؤال السائل عن شيء يتمم ما فيها من الدروس، ولا محل فيها لتمني من يتمنى علة صحيحة لحديث مسوق، أو لفظة مناسبة لمقام ذي بال، أو عبارة أو إشارة كان يحسن أن توجد في مكان معلوم.
فإذا فرغنا من النظر إلى جملة القصة فهلم نقلب الطرف في التفصيل المعنوى: خذ الأشخاص وتبين كنه كل منها تر آية شكسبير الكبرى: آية تعمقه إلى كنه الإنسانية في كل حي من أحيائها على اختلاف البيئات، ما تتصور حادثة إنسانية شعرية، معطيا إياها من الجدة والندورة ما صيرها من خرافة عامية تقصها العجائز على أحفادها وحفائدها إلى رواية تمثيلية من أسمى الروائع التي جادت بها قرائح المبدعين في هذا الفن.
ثم طفق يهيئ أجزاءها ويرتب مشوقاتها ويصل بالأسباب الفكرية الدقيقة ما بين أوائلها وغاياتها، وههنا يجد المطالع شخصا يتمثل به كل قصد بحيث لو بحث في الإنس كلهم عن أجمع من هذا الشخص لمقومات الصفة التي أراد المؤلف أن يظهره متصفا بها لما وجد أتم مما هو في تقدير شكسبير.
وما بالك بعد هذا بالكساء اللفظي الذي كانت أزواج تلك المعاني خليقة أن تكتسى به! إن المعجم على ضخامته وسعته الطائلة لمتضائل ومتقارب الجوانب ومتحفز الأصداء للإجابة بين يدي شكسبير، كالطبيعة بأسرها حين يصور، أو كالنفس الإنسانية في أقصى حدودها جلالة أو دقة حين يتخيل، أو كالقلوب المتأثرة الخفاقة حين ينصت إليها ويجمع من حساتها مادة حكمه ليقرر.
ما ازددت قراءة لمنظومة من منظومات هذا الرجل، قصيدة فذة كانت أم رواية، سؤالا في عرض محادثة بين شخصين أم جوابا، كلمة جد ألقى بها في ملامة أم كلمة مزاح، إلا ازددت له إكبارا. وناهيك منه بشاعر سمت به العبقرية إلى أوج جلالها، جعل القصة التمثيلية مجالا غير محدود للوصف، فبين بها أحوال النفس على اختلافها، وقلب وتعدد المناشئ والصفات، وتنوع المعايش والمكروهات والمشهيات. تجد الطمع فتقول لا يصور بأدق من هذا، تجد الجبن فتقول لو تمثل رجلا لكان هذا، تلمح الحقد فتقول كأنني بفلان وفلان وفلان وقد كشف كل عن جزء من الحقد الذي في قلبه فاجتمع من الثلاثة الأجزاء هذا النوع التام من الحقد بل النوع الأتم، وهكذا الحكم في كل ما تصدى شكسبير لإظهارة بمظهره البشري.
إذا بلغ الوفاء من الصديق للصديق أسمى مبالغه التي شهدناها، أو جاءنا بسيرها التاريخ من عهد أرسطاطاليس الذي يؤثر عنه تحبيذ أرقى معنى في معاني الوداد، فهل يزيد شيئا على ما جعله شكسبير في نفس «أنطونيو» من معجزة الوفاء وأجراه على لسانه من بديعها؟
অজানা পৃষ্ঠা
إليك ما يقوله حين يستعين به صاحبه على اقتراض المال الذي به يقترب إلى مالكة لبه، ويتوصل إلى مطمح نظره ومطمع قلبه:
أنطونيو :
ما كان أغناك - على علمك بي - عن إضاعة الوقت في الاحتيال للاستعانة بمودتي. إنك بارتيابك في خلوصي لك لتسوءني أكثر مما لو أضعت علي ثروتي بأسرها. قل ما ترجوه منى فيما تعرفني قادرا عليه فقد أجبت. تكلم.
ثم إليك ما يقوله أنطونيو حين يشترط اليهودي إقرارا منه بأنه إذا لم يف بالدين المطلوب في يوم كذا أوجب لليهودي عليه اقتطاع رطل من لحمه في المكان الذي يختاره من جسمه، فقد كان أول جوابه هذه الكلمات التي هي من أكبر ما قيل في التفدية للصديق بالنفس والنفيس: «أوافق بارتياح على هذا الشرط.»
ثم إليك ما يقوله اليك أنطونيو مودعا، وقد وقف من الموت قيد خطوة، وبقي له من العمر فسحة دقيقة أو ثانية لا يحسب لها ثانية، ويموت عندئذ من أجل صديقه أبشع الميتات وأشدها إيلاما للتصور، فضلا عن الجثمان الحي، سامعا ورائيا، شحذ المدية على نعل اليهودي الذي يتأهب لقتله:
أنطونيو :
شيء غير كثير. أنا متأهب وصابر. هات يدك يا باسانيو وتلق وداعي. لا يحزنك أن صرت هذا المصير من أجلك، فإن المقادير رفقت بي رفقا ليس من مألوفها في مثل مصابي. فمن مألوفها أن تبقي من فقد جاهه حيا غائر العينين مثقل الجبين بالغضون، يتوقع شيخوخة البؤس والفاقة. أما أنا فإنها أنقذتني من هذا العذاب الطويل، وغاية ما أرجو أن تذكرني بخير لدى عروسك المشرفة، وتخبرها كيف كانت نهاية أنطونيو وتصف مبلغ حبي لك، وتبثها بثك مما ألم بك حين شهدت ميتتي، فإذا فرغت من ذلك، أن تسالها «ألم يكن لي صديق؟» ثم أن لا تعاتب نفسك على وفاة ذلك الصديق فإنه هو غير آسف على إبرائك من دينك مع علمه أن مدية اليهودي لو انحرفت أو تمادت قليلا لذهبت بالقلب كله فداء لك.
فإذا انتقلنا إلى تمثيل الجمال أصلح ما يكون لتزدان به الزوج الصالحة وأبهج ما يكون رسما حسيا للكمال، فهل يتهيأ لنا ملك في شكل بورسيا وهي تقول لعاشقها الذي وفق فصار زوجا لها:
بورسيا :
أيها الهمام باسانيو، هأنذا لديك كما أنا، ولولا أمر جددته في نفسي لاجتزأت بالنعم التي منحتها ولم أستزد. ولكني غدوت متمنية من أجلك لو رجحت ستين مرة على ما أعدل اليوم، ولو كنت ألف مرة أجمل، وعشرة آلاف مرة أعظم جاها، فتكبر حظوتي في عينيك، ولو كان لي من الفضائل والمحاسن والأموال والأصحاب أعداد لا تنفد. ألا إنني - ولا فخر - غير خالية من شيء يقدر بقدر، فإنما أمامك فتاة معتصر نقية غرة تعد من لطف العناية بها كونها لم تزل لدنة صالحة للتقويم، ومن سعد طالعها أنها ليست من الجهل بحيث تستعصي على التعليم، ومن تمام نعمائها أن عقلها طبع يدعوها إلى إلقاء زمامها عن رضى بين يديك والإقرار عن خضوع بأنك سيدها وأميرها ومليكها. فأنا وكل مالي قد أصبحنا لك اليوم. كان قبلا هذا القصر المشيد قصري، وكنت مولاة خدمي وحشمي، وكان بيدي قياد نفسي. أما الآن فالدار والتبع والمتبوعة في تصريف بنانك يا ولي أمري.
অজানা পৃষ্ঠা
كل أولئك عجب، وإن عند شكسبير لأعجب: هذا شيلوك اليهودي المطماع، المرابي، الحريص إلى التقتير، الذي لا تسخو نفسه «بالدوقي» ينفقة في اقتناء الدواء إذا مرض وأوشكت العلة أن تقضي عليه، قد تأصل بغض النصرانية من نفسه حتى إنك لتراه على النقيضين في آن: يثور به الحرص فيبكي، وأي بكاء، على أعلاق سرقتها ابنته وفرت بها مع شاب مسيحي، ثم يشب به عامل الحقد الديني فيتغلب فيه على ذاك العامل ويحركه إلى التخلي عن ثلاثة آلاف دوقي ذهبا، بل عن ستة آلاف، بل عن اثني عشر ألفا تعرض عليه فداء، فيأباها كأنها أقل من درهم لينتقم من أنطونيو النصراني.
وهل في إظهار التنازع بين الإحساسين المتضادين في النفس الواحدة أبلغ من هذه العبرة التي جاء بها شكسبير بين الجد والهزل؟ طالعوا في دقائق معدودة هذا الحوار بين شيلوك وبين صديقه وأخيه في الدين طوبال الذي ناط به شيلوك البحث عن ابنته الفارة:
شيلوك :
ما وراءك يا طوبال؟ أوجدت ابنتي في جنوا؟
طوبال :
خوطبت عنها في أماكن جمة، ولكنني لم أتوصل إلى عرفان موضوعها.
شيلوك :
يا للخسران! اختلست مني ألماسة بيعت علي في فرنكفورت بألفي دوقي. والآن قد طفقت اللعنة تحل على أمتنا حلولا لم أشعر به من قبل. ألفي دوقي فقدتها عدا مصوغات أخر غالية وأي غلاء. من لي بابنتي ميتة عند قدمي والألماستان في أذنيها؟ من لي بها ممدودة هنا أمامي على وشك أن تحمل في نعش وتحمل معها الدوقيات، عجبا! أما من نبأ عنها، هكذا؟ ويعلم الله كل ما سأنفقه حتى أجد تلك الضالة، خسارة فوق خسارة ...
طوبال :
لست فذا في تعرضك للنوائب. إن أنطونيو قد فقد إحدى سفائنه.
অজানা পৃষ্ঠা
شيلوك :
حمدا لله. أيقين؟ أيقين؟
طوبال :
كلمت نواتية نجوا من الغرق.
شيلوك :
وحمدا لله يا صديقي طوبال. نعمت الأخبار، نعمت الأخبار.
طوبال :
سمعت أن كريمتك أنفقت ثمانين دوقيا في ليلة واحدة بجنوا.
شيلوك :
تطعنني بخنجر في قلبي! لن يعود إلي ذهبي.
অজানা পৃষ্ঠা
طوبال :
في رجوعي إلى البندقية حدثت أن أنطونيو لا بد له من التفليس.
شيلوك :
يا فرحا بما قالوا. سأعذبه. سأنكل به ... يا للسرور!
طوبال :
أراني أحدهم خاتما نفحته كريمتك به لتحلية قرد أعجبتها.
شيلوك :
ويحها من تاعسة! تقتلني يا طوبال. تلك زبرجدتي التي اشتريتها من ليحا أيام عزوبتي، ولو أعطيت فرقة من القردة لما أعطيها.
أما من جهة العبارة وفصاحتها والديباجة وروعتها فليس في عزمي بالبداهة أن أجيء باستشهادات في اللغة الإنجليزية لتبين براعة شكسبير في استخدام لغته على ألف نحو لا يجارى فيه التعبير عما يجول في رأسه أو ينبض به قلبه. وإنما سأحاول أن أظهر تلك البراعة بأقرب ما تتسنى محاكاة النقل للأصل، فيشعر متصفح الكلام وهو يقرؤه عربيا مبينا أن شكسبير هو الذي يتكلم.
خذ مثلا من أمثال تتجدد في كل صفحة وتتعدد في كل مقام: كلام برسيا وهي في زي قاض تصف الرحمة لتستعطف الإسرائيلي شيلوك. أقيل في الرحمة أفصح وأجل من كلامها؟
অজানা পৃষ্ঠা
بورسيا :
جمال الرحمة أن تكون خيارا لا اضطرارا. فهي كماء السماء ينهمل بالخير ويهطل باليمن، عفوا ممن وهب، وبركة لمن كسب، فإذا كانت الرحمة عفوا صادرا عن مقدرة فهنالك بهاء قدرتها وازدهاء جلالها. أما تراها إذا تحلى بها الملك القائم كانت لهامته أزين من التاج، وفي يده أقوى من صولجان الأمر والنهي، وكان عرشها المنصوص في قلبه أعظم تمكينا له من عرشه الذي يستوي عليه، لأنها من صفات الله عز وجل، ولا يكون السلطان الدنيوي أقرب شبها إلى السلطان العلوي منه إذ يلطف العدل بالرحمة. فيا أيها اليهودي مهما يكن من استنادك في دعواك إلى العدل فلا تنس أن الله لو عامل كلا منا بمحض العدل لما بات إنسان على أدنى رجاء بالمغفرة والنجاة. لهذا نستغفر الله كل يوم في أدعيتنا. وكما نستميحه العفو يجب علينا أن نكون من العافين عن الناس.
وإذا كنت قد آثرت موضوعا جليلا للاستشهاد به هنا فلا يؤخذن من ذلك أن كل لفظة جعلها شكسبير، حتى في نطق أحقر أشخاصه وأقلهم شأنا، ليست هي اللفظة التي تتعين دون سواها لأداء غرضه مقوى بها كما هي طريقته في الأداء التمثيلي مائة ضعف، على اعتبار أنه إنما يخاطب بها العالمين لا فئة من الناس دون الأخرى.
أشخاص الرواية
دوق البندقية.
الأمير المراكشي.
أمير أراغون.
أنطونيو:
تاجر البندقية.
باسانيو:
অজানা পৃষ্ঠা
صديقه.
سالانيو، سالارينو، جراتيانو:
أحباب لأنطونيو ولباسانيو.
لورنزو:
عاشق لجسيكا.
شيلوك:
يهودي.
طوبال:
يهودي صديق لشيلوك.
لنسلوجويو:
অজানা পৃষ্ঠা
مضحك في خدمة شيلوك.
جوبو الهرم:
والد لنسلو.
سالريو:
رسول من البندقية.
ليوناردو:
خادم باسانيو.
بلتزار، ستفانو:
أجيران لبورسيا.
بورسيا:
অজানা পৃষ্ঠা
وارثة مثرية.
نريسا:
تابعة لها.
جسيكا:
بنت شيلوك.
أعيان من البندقية.
ضباط دار الحكم.
سجان.
خدم ... إلخ .
تجري وقائع هذه الرواية تارة في البندقية وتارة في قصر بورسيا بمدينة بلمنت. •••
অজানা পৃষ্ঠা
عند هذا الحد أقف في وصف هذه الرواية والتنبيه على شيء من مزاياها. وسيرى المطالع بنفسه من حسناتها في كل فقرة وفي كل رمز ما تأخذه الدهشة لديه ويخالط عجبه منه الإعجاب به.
إن الغرر في روايات شكسبير ثمان على ما أعتقد، وهذه إحداهن عربتهن جميعا، وسأوالي تمثيلهن بالطبع، إذ هن لكل لغة حاجة وزينة، فما بالك باللغة العربية وهي مجتمع أبحر البيان وملتقى كل حسن أدبي وإحسان.
خليل مطران
الفصل الأول
المشهد الأول
منهج في البندقية «يدخل أنطونيو وسالارينو وسالانيو»
أنطونيو :
حقا لا أعرف لماذا أنا حزين حزنا يتعبني، ويشق عليكما فيما أرى. إني لأسائل ضميري من أين جلبت أنا هذه الكآبة، أو كيف وفدت هي علي، أو في أي مكان صادفتني، أو من أي غزل نسجت، أو تحت أية سماء ولدت، فما أكاد أحير جوابا، بل أشعر أن بي بلاهة، وأوشك أن أتنكر علي نفسي.
سالارينو :
لا غرو أن يكون عقلك ضاربا في العباب متعقبا بين النواهض والعواثر من الأمواج، آثار مراكبك الضخام التي تتخطر بسواريها البواسق فوق الغمر تخطر الغطاريف الذين لهم السيادة علي البحر، أو تحلق من عل فوق جماهير الصغار المتضائلات من سوقة السفن وعامة المنشآت فيحيينها بإجلال حين مرورها بهن سابحة، وكأنها طائرة بأجنحتها الكتانية.
অজানা পৃষ্ঠা
سالانيو :
أيقن يا سيدي أنني لو خاطرت بمالي مثل مخاطرتك لدرجت أهوائي تتعقب آمالي في تلك الآفاق البعيدة، أو لما وجدني من نشدني إلا عاكفا علي فريعات الأعشاب أستخبرها عن مهاب الرياح، أو مكبا علي صور الأرض أبحث عن المرافئ والأرصفة والموانئ، فأيما شيء تبينت منه أدنى بأس على أوساقي مت له جزعا.
سالارينو :
بل لكان من شأني في مثل هذه المجازفة أنني إذا نفخت في حسائي لتبريده طفقت أفطن للآفات التي قد تحدثها العواصف في البحر فأرتعد، وإذا نظرت إلي تناقص المزولة خطرت على بالي الجروف والأغوار الرملية، وبدت لوهمي تلك الجارية الكبرى المسماة «بسنت أندري » جانحة وقد انقلبت ساريتها الوسطى إلى ما تحت غاطسها كأنها تقبل رمسها. وإذا يممت الكنيسة فلاحت لي مبانيها الحجرية الممردة ذكرت من فوري تلك الصخور الصماء التي إن مست جانبا من جوانب فلكي ارتطم بها، وألقى بما يحمله علي وجه المحيط فانبثت البقول فوق الحباب وانتشر الحرير علي مناكب الأمواج الهدارة، وانتقلت أنا في عقبها من ملابسة الثراء إلي ملابسة الثرى. أفي وسع إنسان أن يرى مني تلك الحالة فلا يفهم أن ما يشغل بالي إنما هو هذا الشاغل؟ قولوا ما تشاءون، أما أنا فلا أحمل هم أنطونيو إلا علي محمل تفكيره في مشحوناته.
أنطونيو :
لا وصدقاني. ليست لحسن طالعي كل بضائعي في موسق واحد ولا هي موجهة إلى مكان واحد فتكون عرضة للأخطار، بل أزيدكما أنني لم أقامر بكل ثروتي في مضاربات هذه السنة، فكآبتي ليست من جانب مشحوناتي.
سالانيو :
إذن أنت عاشق.
أنطونيو :
لا ولا.
অজানা পৃষ্ঠা
سالانيو :
فإن لم تكن عاشقا لم يبق لنا أن نقول إلا أنك ترح لأنك غير فرح، كما أنك بالقياس علي هذا لو كنت مبتهجا لجاز لك أن تضحك، وترقص، وتجهر بأنك مسرور، لأنك لست بمحزون. حلفت بيانوس ذي الوجهين إن الطبيعة تخلق في بعض ما تخلق أناسا مستغربين، فئة منهم لا تني عيونهم متيقظة علي كونهم كالببغاوات، يضحكون لأول نافخ في مزمار يسمعهم لحنا ما، وفئة آخرون لا يفتئون مقطبين جباههم. إذا طرقت آذانهم نكتة من المستظرفات التي تضحك الحليم - ولو أنه نستور الحكيم - لم تنفتق لها شفاههم المضمومة عن أدنى ابتسام. «يدخل باسانيو ولورنزو وغراتيانو»
سالانيو :
هذا باسانيو قريبك الشريف قادما يصحبه غراتيانو ولورنزو. نستودعك الله وندعك ترفقه أحسن محضرا منا.
سالارينو :
لو لم يجئ من هو خير مني، لأقمت حتى أزيل كآبتك.
أنطونيو :
ما أشد اعتدادي بمودتك، لكن شئونك تدعوك وأنت تنتهز الفرصة للانصراف إليها.
سالارينو :
نعمتم صباحا يا سادة.
অজানা পৃষ্ঠা