75

দার্শনিক পরীক্ষাণ

تجارب فلسفية

জনগুলি

عندما يختل كل شيء، وتفسد كل قيمة، ويتكالب الناس على الكسب والسلطة والجشع والمنفعة، فتشتعل نيران التباغض، ويتفجر الحقد والغدر والصراع على اللقمة والعظمة والفتات، ويضيع الإنسان إنسانيته (وهي «الين» التي لا يكف «لاو-تزو» ولا «كونج-فو-تزو» - كونفوشيوس - عن الحديث عنها بطرق مختلفة!) عندئذ يكون من الطبيعي أن يهب المثقف الأمين (لا التاجر، ورجل الأعمال الثقافية، وعبد السلطة الذي وجد في كل الأزمان، وأوشك في زماننا أن يكون هو الملك المتوج على عرش منصوب فوق قبور الصامتين واليائسين والمترفعين العاملين في الظل!) أقول من الطبيعي أن يهب ليصلح المعوج، ويبدد الظلمة، ويحذر وينذر، كالبومة الحكيمة الوحيدة، من مصير المدفونين تحت الأنقاض، وكوارث الفوضى والخراب والانقراض. كيف واجه الحكيم الصيني هذا الإعصار؟ وماذا فعل لوقف الطوفان؟

أكل ما استطاع أن يفعله هو التحذير والتبصير، كما فعل «أيب أور» في الأدب المصري القديم، و«المعري» في تاريخنا الوسيط، و«نيتشه» على مشارف القرن العشرين، و«صلاح عبد الصبور» و«خليل حاوي» و«أمل دنقل» وغيرهم في شعرنا الجديد؟! لا بد أنه رأى أن التحذير وحده لن يكفي؛ ولهذا عمد - ككل مرب أصيل - إلى تحويل الطبيعة الفاسدة، وإعادتها للأصل والجذر والمنبع؛ أي إلى الطبيعة البسيطة البريئة قبل أن يشوهها التمدن، أو ما نسميه اليوم بالتقدم؛ لهذا نسمعه يحرك أوتار القيثارة المنسية التي عزف عليها الحكماء القدماء؛ لعل الحكيم والخير النبيل والحاكم الحقيقي يستمع إلى صوته ويستجيب له. ها هو ذا يحاول أن يرجع أهله إلى البساطة الأولى التي لم تمسها أيدي التخريب والتشويه، فيقول:

ما من مصيبة أعظم من أن يستسلم المرء لشهواته. ما من ذنب أكبر من البعد عن القناعة. ما من عيب أخطر من أن يسعى الإنسان إلى الكسب. حقا! من وجد القناعة في في القناعة، فهو على الدوام قانع راض.

لكن هذا الحكيم القانع الراضي لا يريد أن يعيش حياة المفكر المكتفي بنفسه، التي قدم نموذجها الفيلسوف اليوناني القديم، ولا يرضيه أن يتوحد بعيدا عن الناس كما نصحنا «ديمقريطس» أن نفعل (عش في الخفاء! لاتي بيوزاس!)؛ فتواضعه وزهده الفطري في الشهرة والقوة والمجد وغيرها من الأوهام لا ينفصل عن حبه للناس، ولا عن نزعته الدائمة إلى العطاء والإيثار:

الحكيم يؤخر نفسه فتصبح في المقدمة، يطرد ذاته فتدخل من جديد. أليس هذا لأنه مجرد من حب النفس؟ من أجل هذا يصل بنفسه إلى الكمال.

ونحن نسيء الظن بهذا الحكيم لو تصورنا أنه حكيم ماكر، يظهر نفسه بمظهر المتواضع لكي يشده الناس إلى مقدمة الصفوف، ويعلن أنه لا يسعى وراء أي هدف شخصي لكي يحقق أهدافه الشخصية! كما أننا نظلمه أيضا إذا أسأنا الظن بدعوته المستمرة إلى عدم الرغبة حتى في الرغبة - وهي الدعوة التي لم ينفك المتصوفون في الشرق والغرب عن ترديدها والإلحاح عليها - وبنصحه للإنسان الحكيم أو النبيل أن يستغني حتى عن طلب المزيد من العلم والإكثار من المعرفة، اللذين طالما عرضا الإنسان للسقوط في هوة الفطانة والشطارة، وضيعا الحكمة والبصيرة، وتدنيا ب «العلم» إلى الادعاء والاحتيال، أو أوقعاه في التورم والتضخم. ويبلغ الأمر بالحكيم الصيني في إحدى مقطوعات الكتاب أن يقول قولته الشهيرة: «العارف لا يتكلم، والمتكلم لا يعرف.»

وأن يعلن في مقطوعة أخرى: «إن الكلمات الجميلة - ويقصد بها المزوقة - ليست صادقة، وإن الكلمات الصادقة ليست جميلة.»

ثم يكرر عبارة سقراط الشهيرة - دون أن يسمع عنه بطبيعة الحال! - في مقطوعة ثالثة يقول فيها إن الذي يعرف أنه لا يعرف، هو أرفع الناس شأنا؛ ومن يحسب أنه يعرف وهو لا يعرف، مريض بعقله. لكي ينتهي من القولين إلى أن الذي لا يعرف، هو الذي يعرف على الحقيقة؛ وأن الذي يزعم أنه يعرف، لا يعرف على الحقيقة.

كيف يمكننا اليوم - في عصر العلم وعصر الإيمان بأن العلم هو مكمن القوة والتفوق، وأمل البقاء الوحيد للأفراد والشعوب والحضارات - كيف يمكننا أن نأخذ بنصائح هذا المعلم القديم، الذي يحذر من النهم إلى الاستزادة من العلم، بل ينصحنا بأن نلزم بيوتنا، وسوف نعرف العالم دون أن نحتاج لأن نغادر عتبة دارنا؟!

لعل الرد على هذه الأسئلة الحائرة أن يأتي من إنصاف هذا المعلم القديم، ووضعه قبل كل شيء في سياقه التاريخي والثقافي قبل التسرع بإدانته، حينئذ نرى أنه كان يندد برذائل عصره، ويشجب الفضائل التي انقلبت على يد «العلماء» و«المعلمين» الداعين إليها إلى رذائل، عندما تحولت على يد بعضهم - وبخاصة أتباع كونفوشيوس - إلى آداب وقواعد محفوظة للسلوك، يقال إن عددها وصل إلى ثلاثة آلاف وثلاثمائة قاعدة، كان الصيني المهذب يلزم بحفظها عن ظهر قلب؛ حتى يعد إنسانا مهذبا، ويدخل في سلك الوظائف المرموقة في الدولة! زادت الثرثرة وفاضت. أغرقت كل الشواطئ حتى فقدت اللغة والكلمة والكلام معانيها، أو أفرغت منها. وغابت القدوة والنموذج اللذان نشكو مر الشكوى من غيابهما. فهل نعجب من قول المعلم لتلميذه أو قارئه «أن تعلم بغير أن تتكلم. أن تزداد غنى بغير أن تفعل. شيء في هذا العالم يندر أن يبلغه الإنسان»؟ وهل نستغرب منه أن يجعل وجود هذا الإنسان القدوة مرهونا بطبيعته الحقة ، أو بالأحرى باتباعه للطبيعة وتمسكه بالطاو؛ ومن ثم بالبساطة والعطاء والسكينة والتواضع والتعفف واطراح الشهوات؟! إنه يخاطبه بما يشبه الأمر الجازم حين يقول له: «عانق البساطة. تحكم في أثرتك، واقتصد في شهواتك.»

অজানা পৃষ্ঠা