ما وراء الأكمة
حضرة الأستاذ العبقري نابغة الأدب وحجة العرب السيد مصطفى صادق
الرافعي نفع الله به.
أَراك قد استغربت قول إحدى الجرائد العربية الصادرة في أمريكا إنك لو
تركت "الجملة القرآنية" والحديثَ الشريف لكنت الآن المرجع الذي لا ينازع، ولبذَّ مذهبك في البلاغة المذاهب كلها من قديم وحديث. -
ويحق لك ولغيرك وأَيمُ الله أن يستغربوا هذا التمني الدال على مرض
روحي عند بعض الناس، لأنه قد يجوز أن إنسانًا لا يعتقد بتنزيل القرآن ولكن يوجد عربي سليم الذوق لا يعتقد ببلاغة القرآن وحديث الرسول ﷺ.
ولعمري إن الأمر لكما قال ذلك الذي سأله سائل: هل يقال
(فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ)؟
فأجابه: ويحك! هبك تتهم محمدًا بأنه لم يكن نبيًا، أتتهمه بأنه لم يكن عربيًا؟
ولكنك لم تلبث أن فهمت مغزى هذه النزعة الغريبة، وعبرت عما ظهر
لك في تلك الجملة الموجزة من المرامي والمقاصد البعيدة، فقلت وأنت سيد
القائلين "فظهر لي في نور هذه الكلمة ما لم أكن أراه من قبل، حتى لكأنها
"المكرسكوب " وما يجهر به من بعض الجراثيم مما يكون خقيًا فيستعلن، ودقيقا فيستعظم، وما يكون كأنه لا شيء، ومع ذلك لا تعرف العلل الكبرى إلا به ".
نعم إن وراء الأكمة ما وراءها، إن هناك دسائس خفية تظهر بعض أطرافها
في هذه الجملة، ولكن دعني أقول لك إنه ليس مرادهم العدول إلى الركاكة، ولا مناصبة القرآن العداوة لمجرد كونه فصيحًا، وليس الأمر من قبل ما ذكره أحمد فارس في (الفارياق) من أن بعض خدمة الدين ممن كان يتكلم عنهم يتبركون بالركيك من القول ويستوحشون من العربي الجزل البليغ، ولا هو من نمط ما رواه في "كشف المخبَّا عن فنون أوروبا" من أنه كان يعرب التوراة وهو في إنجلترا فكان يقف على الترجمة العربية قسيس إنجليزي شدا شيئًا من
1 / 28