وأما زهده عليه السلام فمما اتفق عليه الموافق والمخالف، ومن أحب أن يعرف طريقته فيه، فلينظر في كتابه في (سياسة النفس)، وكان الناصر رضي الله عنه إذا ذكره يقول: زاهد خشن
استشهد أخوه محمد بن إبراهيم وهو بمصر، فلما عرف ذلك دعا إلى نفسه وبث الدعاة وهو على حال الاستتار، فأجابه عالم من الناس من بلدان مختلفة، وجاءته بيعة أهل مكة، والمدينة، والكوفة، وأهل الري، وقزوين، وطبرستان، والديلم، وكاتبه أهل العدل من البصرة، والأهواز، وحثوه على الظهور وإظهار الدعوة، فأقام عليه السلام بمصر نحو عشر سنين.
واشتد الطلب له هناك من عبد الله بن طاهر، فلم يمكنه المقام، فعاد إلى بلاد الحجاز وتهامة، وخرج جماعة من دعاته من بني عمه وغيرهم إلى بلخ، والطالقان، والجوزجان، ومروروذ فبايعه كثير من أهلها، وسألوه أن ينفذ إليهم بولده ليظهروا الدعوة.
فانتشر خبره قبل التمكن من ذلك، فتوجهت الجيوش في طلبه نحو اليمن(1)، فاستنام إلى حي من البدو واستخفى فيه.
وأراد الخروج بالمدينة في وقت من الأوقات، فأشار عليه أصحابه بأن لا يفعل ذلك، وقالوا: المدينة والحجاز تسرع إليهما العساكر ولا يتمكن فيها من السير.
ولم يزل على هذه الطريقة مثابرا على الدعوة صابرا على التغرب والتردد في النواحي والبلدان ، متحملا للشدة، مجتهدا في إظهار دين الله.
وحكى الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السلام عن أبيه أن المأمون كلف بعض العلوية أن يتوسط بينه وبين القاسم عليه السلام، ويصل ما بينهما على أن يبذل له مالا عظيما، فخاطبه في أن يبدأه بكتاب أو يجيب عن كتابه، فقال عليه السلام: لا يراني الله تعالى أفعل ذلك أبدا!!
পৃষ্ঠা ২৫