كالصور في زمن الحر_، لا سيما_ لمن يشتد عليه الصوم (¬1) وتكلف السفر إلى الحج (¬2) /ص81/ وحرم الفرار من الزحف (¬3) وأن لا يفز الانسان من أسر من الكفار (¬1)، ويجتنب المحرمات وان كان يشق عليه تركها. ويترك الظلم وان كان فيه شفاء غيظه، وغير ذلك من الأمور التي لا تحصى كثرة. /ص82/ وعلى هذا وصف النبي_صلى الله عليه وسلم_ شريعته بأنها السمحة. بمعنى أنه نفى عنها نوعا من المشقة.فإن قيل: انما أراد بقوله: ("نحن أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب") وصف نفسه خاصة (¬2) فقد يوصف العالم بأنه أمة، قال الله: /ص83/ ("إن ابراهيم كان أمة") فالجواب: أنه لا يصح. لأنه قال ("أمة أمية")، وأمية، لا يوصف به العالم الواحد. ولو أراد ذلك، لقال: أمة أمي. كما قال تعالى: (النحل_120)، ولم يقل: قانتين.فإن قيل: هو، وان قال: " نحن" و" أمة" وأتى بلفظ الجماعة، فانما أراد نفسه وحده. كما يقول الأمير والرئيس: نحن نفعل، يريد نفسه خاصة، فيخبر عن نفسه بلفظ الجماعة. فالجواب: أنه لو سوفنا لكم هذا، لكان اللفظ يحتمل (¬1) أن يخبر عن نفسه بلفظ الجماعة. /ص84/ ويحتمل أن يخبر عن نفسه وعن أمته أجمعين (¬2)، ولفظ الجمع في الجماعة أظهر، فيوجب أن يحمل على ظاهره حتى يدل دليل على العدول به عن ذلك. وليس لكم أن تحملوه على ما ذكرتم لما قدمناه من الأدلة، إلا ولنا أن نحمله على ما ذكرناه بذلك، ونبقيه على ظاهره, وذلك أولى. وجواب ثان: وهو أن ما قلتموه، يبطل فائدة الحديث (¬3)، لأنه_صلى الله عليه وسلم_ انما قال: ("نحن أمة لا نحسب ولا نكتب")، مجيبا بذلك عن حكم أهلة الصوم والفطر والمواسم/ وهذا حكم يلزم جميع الأمة. فلو قصد إلى وصف نفسه خاصة، لاقتضى ذلك قصر هذا الحكم عليه، واختصاصه به. ولا خلاف بين هذه الأمة في مشاركتنا له في هذا الحكم، وأنه_صلى الله عليه وسلم_، انما قصد تبيين ذلك لنا والاخبار عن فرضنا فيه، وما يلزمنا منه. /ص85/ جواب ثالث: وهو أن هذا يبطل بوجه آخر: وهو أنه لا خلاف أن النبي_صلى الله عليه وسلم_ كان أعلم الناس بالفرائض (¬1) وما يجب لكل أحد منها. /ص86/ ولم يقل أحد من الأمة: أنه أتى بفريضة فقال: لا علم لي بها، وأن أمتي تتفرد بعلم ذلك دوني، ولا أنه وكل إلى أمته حساب الصدقات (¬1)، من الأبل والبقر والغنم وغيرها. وأخبر عن نفسه أنه لا يعلم قليلها من كثيرها ، ولا منتهى نصبها ومقادير أعدادها، ولا روى عنه أنه عجز عن قسم ما غنم من المواشي وغيرها من الأموال، بل قد روي عنه أنه قسمها (¬2) /ص87/ وروي عنه أنه خرص ثمرة في رووس النخل، وخرص أصحابه، فأخرجت خرص (¬3) رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_. وهذه كلها أبواب من الحساب، إلا أن يلزم هذا المتصور أن النبي_ صلى الله عليه وسلم_ لم يعلم شيئا من الفرائض ولا غيرها من أنواع الحساب: من قسمة الغنائم، ونصب الزكوات، وما يجب لكل نصاب وفرض منها. ويقول: أن الصحابة كانت أعلم بذلك منه، أو منفردة بعلمه دونه. فيخالف الاجماع (¬1), ويفارق الاسلام، وأرجو إلا يفعل. /ص88/ وإذا ثبت أنه_ صلى الله عليه وسلم_ أراد بقوله: ("لا نكتب ولا نحسب") نفي نوع من أنواع الكتابة والحساب أغناه الله وأغنى أمته عنه، ولم يفتقر شرعة اليه، جاز حينئذ حمل الحديث على عمومه فيه وفي أمته. وأن الله قد مكنهم من أداء فرائضه، واستيفاء حقوقه، والقيام بمناسكه دونه. ويجوز على ما قولناه: أن يريد نفي الكتاب والحساب عن جمهورهم وأكثرهم (¬2). ويجوز فيها وجه ثالث (¬3) وهو أنه_ صلى الله عليه وسلم_ قال: ("نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب "). يريد نفسه خاصة على ما يدعونه، قبل يوم الحديبية، ثم وجد منه بعد ذلك يوم الحديبية, على قول القائل بذلك.
পৃষ্ঠা ৬১