البخارى أيضًا، عن مرداس الأسلمى، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: “يذهب الصالحون الأول فالأول، وتبقى حفالة كحفالة الشعير والتمر لا يباليهم الله بالة” (١)، يقال: لا أبالى زيدًا بالًا ولا بالة، وبلى بكسر الياء مقصور، أى لا أكترث به ولا أهتم له.
ومع هذا فلهم فى أنفسهم فضائل ظاهرة، وفى حفظ العلم آيات باهرة، ففى الصحيحين أن النبى ﷺ قال: "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم خذلان من خذلهم" (٢) . وجملة العلماء أو جمهورهم على أنهم حملة العلم، وقد دعا لهم النبى ﷺ فقال: "نضر الله امرء سمع مقالتى فوعاها فأداها كما سمعها" (٣)، وجعلهم عدولًا، فأمرهم بالتبليغ عنه، فقال ﷺ: "ليبلغ الشاهد منكم الغائب"، وفى الحديث الآخر: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين".
وهذا إخبار منه ﷺ بصيانة العلم وحفظه وعدالة ناقليه، وأن الله تعالى يوفق له فى كل عصر خلفاء من العدول يحملونه وينفون عنه التحريف وما بعده فلا يضيع، وهذا تصريح بعدالة حامليه فى كل عصر، وهكذا وقع ولله الحمد، وهذا من أعلام النبوة، ولا يضر مع هذا كون بعض الفساق يعرف شيئًا من العلم، فإن الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه لا أن غيرهم لا يعرف شيئًا منه، والله أعلم.
* * *
فصل فى سلسلة التفقه لأصحاب الشافعى، رحمة الله عليه
منهم إلى الشافعى، ﵀، ثم إلى رسول الله ﷺ
وهذا من المطلوبات المهمات، والنفائس الجليلات، التى
_________
(١) حديث مرادس: أخرجه: أحمد (٤ / ١٩٣، رقم ١٧٧٦٥)، والبخاري (٥ / ٢٣٦٤، رقم٦٠٧٠) .
حديث المستورد: أخرجه: الطبراني (٢٠ / ٣١٠، رقم ٧٣٧)، وأخرجه أيضا: الطبرانى فى الأوسط (٣ / ١٢٣، رقم ٢٦٧٧) قال الهيثمى (٧ /٣٢١): رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات.
أخرجه: الرامهرمزي (ص ١٢٥، رقم ٩٠)، وأخرجه أيضا: الدارمي (٢ / ٣٩٠، رقم ٢٧١٩) مختصرا، والطبراني (٢٠ / ٢٩٨، رقم ٧٠٨) .
(٢) أخرجه ابن ماجه (١/٤، رقم ٦)، والطبرانى (١٩/٢٧، رقم ٥٥)، وابن حبان (١/٢٦١، رقم ٦١) . وأخرجه أيضا: الترمذى (٤/٤٨٥، رقم ٢١٩٢) .
(٣) أخرجه الترمذى (٥/٣٣، رقم ٢٦٥٦) وقال: حسن. وأخرجه أيضا: أبو داود (٣/٣٢٢، رقم ٣٦٦٠) والنسائى (٣/٤٣١، رقم ٥٨٤٧) .
أخرجه أحمد (١/٤٣٦، رقم ٤١٥٧)، والترمذى (٥/٣٤، رقم ٢٦٥٧) وقال: حسن صحيح. وابن حبان (١/٢٦٨، رقم ٦٦)، والبيهقى فى شعب الإيمان (٢/٢٧٤، رقم ١٧٣٨) . وأخرجه أيضا: البزار (٥/٣٨٢، رقم ٢٠١٤)، والشاشى (١/٣١٤، رقم ٢٧٥)، وابن عدى (٦/٤٦٢، رقم ١٩٤٢) .
1 / 17