وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض} الفساد خروج الشيء عن حال استقامته وكونه منتفعا به، وضده الصلاح، وهو الحصول على الحالة المستقيمة النافعة؛ والفساد في الأرض هيج الحروب والفتن، لأن في ذلك فسادا في الأرض وانتفاء الاستقامة على أحوال الناس، والزروع والمنافع الدينية والدنيوية. {قالوا: إنما نحن مصلحون(11)} أي إن صفة المصلحين حصلت لنا، وتمحضت من غير شائبة قادح فيها من وجه من وجوه الفساد، وذلك ظنا منهم وحرصا بلا قيام دليل، ولو قابلوا أحوالهم بالدليل لاستبان لهم فسادها عيانا.
{ألا إنهم هم المفسدون} أنفسهم بالكفر، والناس بالتعويق عن الإيمان، [5] {ولكن لا يشعرون(12)} أي لا يعلمون أنهم مفسدون، لأنهم يظنون أن الذي هم عليه من إبطال الحق صلاح، قد رد الله ما ادعوه من جملة المصلحين أبلغ ردا (¬1) .
{وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا: أنؤمن كما آمن السفهاء} نصحوا من وجهين: أحدهما تقبيح ما كانوا عليه لبعده من الصواب، وجره إلى الفساد، وثانيها (¬2) تبصيرهم لطريق السداد، وكان من جوابهم أن سفهوهم وجهلوهم لتمادي جهلهم، وفيه تسلية للعالم مما يلقى من الجهلة. وذكر الناس أي كما آمن الكاملون في الإنسانية، أو جعل المؤمنون كأنهم الناس على الحقيقة، ومن عداهم كالبهائم، وإنما سفهوهم وهم العقلاء المراجيح لأنهم جمع لجهلهم اعتقدوا (¬3) أن ما هم فيه هو الحق، وأن ما عداه باطل، ومن ركب متن الباطل كان سفيها. والسفه سخافة العقل، وخفة الحلم؛ وقيل: السفيه خفيف العقل، رقيق الحلم، وقولهم: ثوب سفيه، أي رقيق.
{ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون(13)} إنهم هم السفهاء.
{
¬__________
(¬1) - ... كذا في الأصل، ولعل الصواب: «رد».
(¬2) - ... كذا في الأصل، والأصوب: «وثانيهما».
(¬3) - ... كذا في الأصل، ولعل الصواب: «اعتقادهم»، أو «أنهم اعتقدوا».
পৃষ্ঠা ১৯