তাফসির মিযান
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
জনগুলি
وذلك أنهم ادعوا الرسالة من الله بالوحي وأنه بتكليم إلهي أو نزول ملك ونحو ذلك وهذا شيء خارق للعادة في نفسه من غير سنخ الإدراكات الظاهرة والباطنة التي يعرفها عامة الناس ويجدونها من أنفسهم، بل إدراك مستور عن عامة النفوس لو صح وجوده لكان تصرفا خاصا من ما وراء الطبيعة في نفوس الأنبياء فقط، مع أن الأنبياء كغيرهم من أفراد الناس في البشرية وقواها، ولذلك صادفوا إنكارا شديدا من الناس ومقاومة عنيفة في رده على أحد وجهين: فتارة حاول الناس إبطال دعويهم بالحجة كقوله تعالى: "قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آبائنا": إبراهيم - 10، استدلوا فيها على بطلان دعويهم الرسالة بأنهم مثل سائر الناس والناس لا يجدون شيئا مما يدعونه من أنفسهم مع وجود المماثلة، ولو كان لكان في الجميع أو جاز للجميع هذا، ولهذا أجاب الرسل عن حجتهم بما حكاه الله تعالى عنهم بقوله: "قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده": إبراهيم - 13، فردوا عليهم بتسليم المماثلة وأن الرسالة من منن الله الخاصة، والاختصاص ببعض النعم الخاصة لا ينافي المماثلة، فللناس اختصاصات، نعم لو شاء أن يمتن على من يشاء منهم فعل ذلك من غير مانع فالنبوة مختصة بالبعض وإن جاز على الكل.
ونظير هذا الاحتجاج قولهم في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما حكاه الله تعالى: "أأنزل عليه الذكر من بيننا": ص - 8، وقولهم كما حكاه الله: "لو لا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم": الزخرف - 31.
ونظير هذا الاحتجاج أو قريب منه ما في قوله تعالى: "وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لو لا أنزل عليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها": الفرقان - 8، ووجه الاستدلال أن دعوى الرسالة توجب أن لا يكون بشرا مثلنا لكونه ذا أحوال من الوحي وغيره ليس فينا فلم يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لاكتساب المعيشة؟ بل يجب أن ينزل معه ملك يشاركه في الإنذار أو يلقى إليه كنز فلا يحتاج إلى مشي الأسواق للكسب أو تكون له جنة فيأكل منها لا مما نأكل منه من طعام، فرد الله تعالى عليهم بقوله: "انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا" إلى أن قال "وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا": الفرقان - 20، ورد تعالى في موضع آخر مطالبتهم مباشرة الملك للإنذار بقوله: "ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون": الأنعام - 9.
وقريب من ذلك الاحتجاج أيضا ما في قوله تعالى: "وقال الذين لا يرجون لقاءنا لو لا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا": الفرقان - 21، فأبطلوا بزعمهم دعوى الرسالة بالوحي بمطالبة أن يشهدوا نزول الملك أو رؤية الرب سبحانه لمكان المماثلة مع النبي، فرد الله تعالى عليهم ذلك بقوله: "يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا": الفرقان - 22، فذكر أنهم والحال حالهم لا يرون الملائكة إلا مع حال الموت كما ذكره في موضع آخر بقوله تعالى: "وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين": الحجر - 8، ويشتمل هذه الآيات الأخيرة على زيادة في وجه الاستدلال، وهو تسليم صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعواه إلا أنه مجنون وما يحكيه ويخبر به أمر يسوله له الجنون غير مطابق للواقع كما في موضع آخر من قوله: "وقالوا مجنون وازدجر": القمر - 9.
وبالجملة فأمثال هذه الآيات مسوقة لبيان إقامتهم الحجة على إبطال دعوى النبوة من طريق المماثلة.
পৃষ্ঠা ৪৫