তাফসির মিযান
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
জনগুলি
أحدها: أن الطرق إلى الله مختلفة كمالا ونقصا وغلاء ورخصا، في جهة قربها من منبع الحقيقة والصراط المستقيم كالإسلام والإيمان والعبادة والإخلاص والإخبات، كما أن مقابلاتها من الكفر والشرك والجحود والطغيان والمعصية كذلك، قال سبحانه "ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون": الأحقاف - 19.
وهذا نظير المعارف الإلهية التي تتلقاها العقول من الله فإنها مختلفة باختلاف الاستعدادات ومتلونة بألوان القابليات على ما يفيده المثل المضروب في قوله تعالى: "أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها" الآية.
وثانيها: أنه كما أن الصراط المستقيم مهيمن على جميع السبل، فكذلك أصحابه الذين مكنهم الله تعالى فيه وتولى أمرهم وولاهم أمر هداية عباده حيث قال: "وحسن أولئك رفيقا": النساء - 71.
وقال تعالى: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون": المائدة - 55.
والآية نازلة في أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بالأخبار المتواترة وهو (عليه السلام) أول فاتح لهذا الباب من الأمة وسيجيء تمام الكلام في الآية.
وثالثها: أن الهداية إلى الصراط يتعين معناها بحسب تعين معناه، وتوضيح ذلك أن الهداية هي الدلالة على ما في الصحاح، وفيه أن تعديتها لمفعولين لغة أهل الحجاز، وغيرهم يعدونه إلى المفعول الثاني بإلى، وقوله هو الظاهر، وما قيل: إن الهداية إذا تعدت إلى المفعول الثاني بنفسها، فهي بمعنى الإيصال إلى المطلوب، وإذا تعدت بإلى فبمعنى إراءة الطريق، مستدلا بنحو قوله تعالى: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء": القصص - 56.
حيث إن هدايته بمعنى إراءة الطريق ثابتة فالمنفي غيرها وهو الإيصال إلى المطلوب قال تعالى: "وهديناهم صراطا مستقيما": النساء - 70.
وقال تعالى: "وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم": الشورى - 52.
فالهداية بالإيصال إلى المطلوب تتعدى إلى المفعول الثاني بنفسها، والهداية بإراءة الطريق بإلي، وفيه أن النفي المذكور نفي لحقيقة الهداية التي هي قائمة بالله تعالى، لا نفي لها أصلا، وبعبارة أخرى هو نفي الكمال دون نفي الحقيقة، مضافا إلى أنه منقوض بقوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون: "يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد": غافر - 38.
فالحق أنه لا يتفاوت معنى الهداية باختلاف التعدية، ومن الممكن أن يكون التعدية إلى المفعول الثاني من قبيل قولهم دخلت الدار وبالجملة فالهداية هي الدلالة وإراءة الغاية بإراءة الطريق وهي نحو إيصال إلى المطلوب، وإنما تكون من الله سبحانه، وسنته سنة الأسباب بإيجاد سبب ينكشف به المطلوب ويتحقق به وصول العبد إلى غايته في سيره، وقد بينه الله سبحانه بقوله: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام": الأنعام - 125.
وقوله: "ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء": الزمر - 23.
وتعدية قوله تلين بإلى لتضمين معنى مثل الميل والاطمينان، فهو إيجاده تعالى وصفا في القلب به يقبل ذكر الله ويميل ويطمئن إليه، وكما أن سبله تعالى مختلفة، فكذلك الهداية تختلف باختلاف السبل التي تضاف إليه فلكل سبيل هداية قبله تختص به.
وإلى هذا الاختلاف يشير قوله تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين": العنكبوت - 69.
إذ فرق بين أن يجاهد العبد في سبيل الله، وبين أن يجاهد في الله، فالمجاهد في الأول يريد سلامة السبيل ودفع العوائق عنه بخلاف المجاهد في الثاني فإنه إنما يريد وجه الله فيمده الله سبحانه بالهداية إلى سبيل دون سبيل بحسب استعداده الخاص به، وكذا يمده الله تعالى بالهداية إلى السبيل بعد السبيل حتى يختصه بنفسه جلت عظمته.
পৃষ্ঠা ১৭