122

তাফসির মিযান

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

জনগুলি

তাফসির

وهذا أيضا من شواهد ما قدمناه آنفا أن بني إسرائيل لإذعانهم بأصالة المادة كانوا يحكمون في الله سبحانه بما للمادة من الأحكام ، فكانوا يظنونه موجودا فعالا في المادة، مستعليا قاهرا عليه، ولكن بعين ما تفعل علة مادية وتستعلي وتقهر على معلول مادي، وهذا أمر لا يختص به اليهود، بل هو شأن كل من يذعن بأصالة المادة من المليين وغيرهم، فلا يحكمون في ساحة قدسه سبحانه إلا بما يعقلون من أوصاف الماديات من الحياة والعلم والقدرة والاختيار والإرادة والقضاء والحكم وتدبير الأمر وإبرام القضاء إلى غير ذلك، وهذا داء لا ينجع معه دواء، وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يعقلون، حتى آل الأمر إلى أن استهزأ بهم من لا مسكة له في دينهم الحق ولا قدم له في معارفهم الحقة، قائلا إن المسلمين يروون عن نبيهم أن الله خلق آدم على صورته وهم معاشر أمته يخلقون الله على صورة آدم، فهؤلاء يدور أمرهم بين أن يثبتوا لربهم جميع أحكام المادة، كما يفعله المشبهة من المسلمين أو من يتلو تلوهم وإن لم يعرف بالتشبيه، أو لا يفهموا شيئا من أوصاف جماله، فينفوا الجميع بإرجاعها إلى السلوب قائلا إن ما يبين أوصافه تعالى من الألفاظ إنما يقع عليه بالاشتراك اللفظي فلقولنا: إنه موجود ثابت عالم قادر حي معان لا نفهمها ولا نعقلها، فاللازم إرجاع معانيها إلى النفي، فالمعنى مثلا أنه ليس بمعدوم، ولا زائل، ولا جاهل، ولا عاجز ولا ميت فاعتبروا يا أولي الأبصار فهذا بالاستلزام زعم منهم بأنهم يؤمنون بما لا يدرون، ويعبدون ما لا يفهمون، ويدعون إلى ما لا يعقلون، ولا يعقله أحد من الناس، وقد كفتهم الدعوة الدينية مئونة هذه الأباطيل بالحق فحكم على العامة أن يحفظوا حقيقة القول ولب الحقيقة بين التشبيه والتنزيه فيقولوا: إن الله سبحانه شيء لا كالأشياء وإن له علما لا كعلومنا، وقدرة لا كقدرتنا، وحياة لا كحياتنا، مريد لا بهمامة، متكلم لا بشق فم، وعلى الخاصة أن يتدبروا في آياته ويتفقهوا في دينه فقد قال الله سبحانه: "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب": الزمر - 9، والخاصة كما لا يساوون العامة في درجات المعرفة، كذلك لا يساوونهم في التكاليف المتوجهة إليهم، فهذا هو التعليم الديني النازل في حقهم لو أنهم كانوا يأخذون به.

قوله تعالى: ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني، الأمي من لا يقرأ ولا يكتب منسوب إلى الأم لأن عطوفة الأم وشفقتها كانت تمنعها أن ترسل ولدها إلى المعلم وتسلمه إلى تربيته، فكان يكتفي بتربية الأم، والأماني جمع أمنية، وهي الأكاذيب، فمحصل المعنى أنهم بين من يقرأ الكتاب ويكتبه فيحرفه وبين من لا يقرأ ولا يكتب ولا يعلم من الكتاب إلا أكاذيب المحرفين.

قوله تعالى: فويل للذين يكتبون، الويل هو الهلكة والعذاب الشديد والحزن والخزي والهوان وكل ما يحذره الإنسان أشد الحذر والاشتراء هو الابتياع.

قوله تعالى: فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم إلخ، الضمائر إما راجعة إلى بني إسرائيل أو لخصوص المحرفين منهم ولكل وجه وعلى الأول يثبت الويل للأميين منهم أيضا.

قوله تعالى: بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته إلخ، الخطيئة هي الحالة الحاصلة للنفس من كسب السيئة، ولذلك أتى بإحاطة الخطيئة بعد ذكر كسب السيئة وإحاطة الخطيئة توجب أن يكون الإنسان المحاط مقطوع الطريق إلى النجاة كان الهداية لإحاطة الخطيئة به لا تجد إليه سبيلا فهو من أصحاب النار مخلدا فيها ولو كان في قلبه شيء من الإيمان بالفعل، أو كان معه بعض ما لا يدفع الحق من الأخلاق والملكات، كالإنصاف والخضوع للحق، أو ما يشابههما لكانت الهداية والسعادة ممكنتي النفوذ إليه، فإحاطة الخطيئة لا تتحقق إلا بالشرك الذي قال تعالى فيه: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء": النساء - 48، ومن جهة أخرى إلا بالكفر وتكذيب الآيات كما قال سبحانه: "والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون": البقرة - 39، فكسب السيئة، وإحاطة الخطيئة كالكلمة الجامعة لما يوجب الخلود في النار.

পৃষ্ঠা ১২৩