188

والإيمان والهدى والضلال ، فيهتدي به من ينسجم معه ، ويضل به من يبتعد عنه ، تماما كما يقول الناس إن التجربة والامتحان يسقطان الناس أو ينجحانهم ، مع أن القضية هي أن الناس يسقطون أمام التجربة بالابتعاد عن أسس النجاح ، وينجحون معها بالاقتراب من ذلك ، فهي السبب لكلا الموقفين ، باعتبار أنها القاعدة التي أطلقت الموقف هنا وهناك ، وبذلك تبتعد الآية عن ملامح الفكرة الجبرية التي تربط الضلال بالله بشكل مباشر.

( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ) أي : لا يدع ضرب المثل استحياء من حقارة الموضوع الذي يتعلق به لعدم تناسبه مع موقع العظمة في ذاته ، لأن طبيعة المثل ، في موضوعه ، تتصل بالفكرة التي يراد تقريبها للذهن الإنساني ، من خلال الصورة الحسية المتمثلة في وجدانه ؛ فقد تفرض حديثا عن الأشياء الحقيرة لأنها أكثر تمثيلا للفكرة ، كما هي البعوضة التي ضربها الله مثلا لعجز المستكبرين الذين يضعون أنفسهم في موقع الآلهة ، فلا يملكون أن يخلقوا الذباب ، أو يسترجعوا ما يسلبهم الذباب من الأشياء المتصلة بحياتهم مما يحافظون عليه (1)، وكما هي الحال في العنكبوت الذي ضرب الله مثلا ببيته تمثيلا للبيوت التي لا ترتكز على أساس ، وقد تفرض حديثا عن الأشياء الكبيرة كما في مثال ( كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ).

( فأما الذين آمنوا ) بالله وانفتحوا على آياته وتدبروا معانيها ، وعرفوا مقاصدها وإيحاءاتها ، وانطلقوا في وعيهم الفكري إلى أعماقها ، فلم يتوقفوا

পৃষ্ঠা ১৯৭