يرى ، لأن الوجدان يفرض ذلك كحقيقة حاسمة ترتكز على الأسس العلمية والعقلية ؛ وبذلك تتحول التقوى الفكرية إلى حركة في داخل الذات ، تثير فيها اليقين وتقودها نحو الإيمان. أما غير المتقين ، فلا يؤمنون إلا بالحس والتجربة من دون أن ينفذوا إلى ما وراءهما من قواعد وركائز ؛ فالقيمة الفكرية في القضايا عندهم هي في خضوعها للملاحظة الحسية بعيدا عن كل مضمون عقلي أو فكر سابق ، لأن الإيمان بالحس كما يقول البعض يحمل للإنسان المقاييس الطبيعية ، التي يمكنه من خلالها أن يعرف الحق والباطل ، إذ من الممكن أن يدرك الإنسان نتائج التجربة في حالتي النجاح والفشل ، فإذا نجحت انطلقت الحياة معه في عملية تكرار يكتشف أبعاد النجاح ، وإذا فشلت فإنها تقف عند حدود التجربة في مراحلها المحدودة ، فلا تتكرر ؛ لأن الخطأ لا يغري بمعاودة التجربة من جديد.
أما الأفكار العقلية حسب هذا الرأي فلا يمكن للإنسان أن يلمس بوجدانه مدى الحق والباطل فيها بطريقة حسية ، لأنه لا يملك الميزان في ذلك ، لأنها ليست من الأشياء المرئية التي تخضع للملاحظة والتأمل ليرتكز الإيمان من خلالها على قاعدة متينة. وربما كانت هذه الشبهة من أقوى الشبهات التي أثارها الحسيون في مقابل العقليين الذين يقولون بأن هناك أساسا للمعرفة غير الحس.
ولكننا نلاحظ على هذه الشبهة في مجال الجواب أنها لا تصمد أمام النقد لأسباب ، منها :
أولا : إن هذا الدليل الذي أقاموه على خطأ الرجوع إلى العقل ، هو دليل عقلي خاضع للملاحظة والتأمل التجريديين في البداية ، لأنهم يقولون : لو لم نعتمد على الحس والتجربة أساسا للمعرفة ، لما كان لدينا مقياس دقيق للحق والباطل ، وهذا مما يوحي لنا بطرح سؤال محدد : هل معاني هذه الفكرة من
পৃষ্ঠা ১১০