الذي أرسى دعائم الدولة العباسية. وبعد هذه المدة التي عاشها في الحكم منذ سنة ست وثلاثين ومائة، أدركت أبا جعفر الوفاة في سنة ثمان وخمسين ومائة (١٥٨ هـ) بعد أن عهد بالخلافة لابنه محمد المهدي، ومن بعده لعيسى بن موسُى (^١)، إلا أن المهدي لما تولّى الخلافة، أَلَحَّ على عيسى أن يخلع نفسه ويتنازل عن الخلافة للهادي، فامتنع، ثم أجاب بعد ترغيب وترهيب ووعد ووعيد من المهدي له يطول ذكره (^٢).
وكان المهدي أتى للخلافة والأمور مستقرّة، فكان عصره بداية عصر ازدهار الدولة العباسية، لذلك نجده أول من عمل البريد من الحجاز إلى العراق (^٣)، وأمر بعمارة طريق مكة، فبنى بها القصور، وحَفَرَ الآبار، وعمل المصانع والبِرَكَ، حتى صارت طريق الحجاز من العراق من أرفق الطرقات وآمنها وأطيبها (^٤). ونجده أول خليفة حمل له الثَّلْجُ إلى مكة (^٥). وفي سنة سبع وستين ومائة أمر بالزيادة الكبرى في المسجد الحرام، وأدخل في ذلك دورًا كثيرة (^٦).
وقد شهد عصره شيئًا من الاضطراب (^٧)، لكنه لا يداني ما
_________
(^١) هو عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، ابن أخ أبي جعفر، وكان فارس بني العباس، وسَيْفَهم المسلول، جعله السَّفّاح ولي العهد بعد المنصور، فتحيَّل عليه المنصور بكل ممكن حتى أخّره وقدّم عليه المهدي، فيقال: بذل له بعد الرغبة والرهبة عشرة آلاف ألف درهم. انظر سير أعلام النبلاء (٧/ ٤٣٤ - ٤٣٥).
(^٢) انظر البداية والنهاية (١٠/ ١٣٠، ١٣١).
(^٣) تاريخ الخلفاء (ص ٤٣٧).
(^٤) انظر البداية والنهاية (١٠/ ١٣٣)، وتاريخ الخلفاء (ص ٤٣٦).
(^٥) كما في البداية (١٠/ ١٣٢)، ويقول الذهبي: (لم يتهيّأ ذلك لملك قط) كما في تاريخ الخلفاء (ص ٤٣٦).
(^٦) تاريخ الخلفاء (ص ٤٣٦).
(^٧) انظر البداية والنهاية (١٠/ ١٣٣، ١٣٥، ١٤٥).
المقدمة / 21