[2.88]
قوله تعالى: { وقالوا قلوبنا غلف }؛ أي قالت اليهود: قلوبنا ممنوعة من القبول؛ فرد الله عليهم بقوله: { بل لعنهم الله بكفرهم }؛ أي أنهم ألفوا كفرهم فاشتد إعجابهم به ومحبتهم له فمنعهم الله الألطاف والفوائد التي منح الله المؤمنين مجازاة لهم على كفرهم.
قرأ ابن محيصن: (غلف) بضم اللام. وقرأ الباقون بجزمها. فمن خفف فهو جمع الأغلف مثل أصفر وصفر؛ وهو الذي عليه غشاوة وغطاء بمنزلة الأغلف غير المختون؛ والأقلف مثله، أي عليها غشاوة فلا تعي ولا تفقه ما تقول يا محمد! قاله قتادة ومجاهد؛ نظيره قوله تعالى:
وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه
[فصلت: 5].
ومن ثقل (غلف) فهو جمع غلاف مثل: حجاب وحجب؛ وكتاب وكتب، ومعناه: قلوبنا أوعية لكل علم؛ فلا نحتاج إلى علمك وكتابك؛ فهي لا تسمع حديثا إلا وعته؛ إلا حديثك لا تعيه وكتابك؛ قاله عطاء وابن عباس. وقال الكلبي: (يريدون أوعية لكل علم فهي لا تسمع حديثا إلا وعته؛ إلا حديثك لا تعيه ولا تعقله. فلو كان فيه خير لفهمته ولوعته) قال الله تعالى: { بل لعنهم الله بكفرهم } وأصل اللعن: الطرد والإبعاد؛ فمعناه: طردهم الله؛ أي أبعدهم من كل خير. وقال النضر بن شميل: (الملعون: للمخزى وللملك).
قوله عز وجل: { فقليلا ما يؤمنون }؛ قال قتادة: (معناه ما يؤمن منهم إلا قليل؛ وهو عبدالله بن سلام وأصحابه؛ لأن من آمن من المشركين أكثر ممن آمن من اليهود). فعلى هذا القول { ما } صلة معناه: فقليلا يؤمنون. ونصب (قليلا) على الحال، وقيل: على معنى صاروا قليلا يؤمنون. وقيل: معناه: إيمانهم بالله قليل؛ لأنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض. وانتصب (قليلا) على هذا التأويل على معنى: إيمانا قليلا يؤمنون.
وقال معمر : (معناه لا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديكم ويكفرون بأكثر) وعلى هذا القول يكون (قليلا) منصوبا بنزع الخافض، و(ما) صلة؛ أي فبقليل يؤمنون. وقال الواقدي وغيره: (معناه لا يؤمنون قليلا ولا كثيرا) وهذا كقول الرجل للآخر: ما أقل ما تفعل كذا! يريد لا يفعله البتة.
[2.89]
قوله عز وجل: { ولما جآءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم }؛ يعني القرآن موافقا لما معهم؛ يعني التوراة وسائر الكتب في التوحيد والدعاء إلى الله؛ وقوله تعالى: { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا }؛ أي وكانوا من قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنصرون بذكر القرآن ونبي آخر الزمان على الذين جحدوا توحيد الله؛ كانوا إذا قاتلوا المشركين؛ قالوا: (اللهم انصرنا عليهم باسم نبيك وبكتابك الذي تنزل على الذي وعدتنا أنك باعثه في آخر الزمان؛ الذي نجد صفته في التوراة) وكانوا يرجون أن ذلك النبي منهم، وكانوا إذا قالوا ذلك نصروا، وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين: أطل زمان يخرج نبي فيصدق ما قلناه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم.
অজানা পৃষ্ঠা